تناقلت بعض وسائل الإعلام أمس الأول خبر إلقاء القبض على عميل لـ»الموساد« الإسرائيلي داخل صفوف «حزب الله» على يد أمن الحزب نفسه. إلى هنا، يبدو الأمر شبه عادي إذ إن جهاز الأمن في الحزب لا يترك صغيرة أو كبيرة في ذراعيه الأمني والعسكري إلا ويُدقق بها تحديداً منذ إلقائه القبض على محمد الحاج المعروف بـ«أبو تراب« المسؤول عن وحدة التجهيز العسكري في المقاومة والذي اعترف يومها بأنه يعمل لحساب المخابرات الأميركية.
ما يبدو مستغرباً بعض الشيء هو أنه حتى الساعة لم يصدر عن الوحدة الإعلامية في «حزب الله» أي بيان رسمي أو «شبه رسمي« يدحض هذه المعلومات أو التسريبات، الأمر الذي جعل من الموضوع مادة إعلامية دسمة خصوصاً أن أولى وسائل الإعلام التي تبنت الخبر ونشرتها كسبق صحافي عادة ما تغرف من بئر معلومات الحزب معظم الأخبار الرئيسة والدسمة التي تنشرها على صفحاتها بشكل شبه يومي.
هذا الاستغراب في عدم تبني «حزب الله» للخبر المُتداول به لا يعني نفيه على الإطلاق أو عدم صحته، إذ إنه ومن خلال تجربة اللبنانيين مع الاستراتيجية الأمنية التي يعتمدها الحزب تؤكد أن تكتماً شديداً يُبديه حول قضايا بهذا الحجم في بداية الأمر، لكن سرعان ما يتبين أنه هو من يقف وراء التسريبات لأسباب تتعلق أولاً بالتخفيف من وقع الصدمة على عناصره وثانياً لامتصاص غضب ونقمة جمهوره وبيئته. ووفق مصادر واسعة الاطلاع على «مطبخ« الحزب الامني فإن مهمة إعلان أحداث مشابهة منوطة فقط بشخص السيد حسن نصرالله الذي يبدو أنه بصدد التحضر لإطلالة تلفزيونية يشرح فيها القضية من جوانبها كافة كما عوّد جمهوره في أمور مشابهة.
لا توجد هناك فئة أو جهة أشد حماسة للكشف عن مصير العميل المفترض أكثر من جمهور «حزب الله» نفسه خصوصاً أن مجموعة من التكهنات والفرضيات بدأ التداول بها بين هذا الجمهور حول هوية العميل ووظيفته الأمنية إذ يخرج البعض ليقول إنه مسؤول شبكة أمنية في وحدة العمليات الخارجية المعروفة بـ (910) التي ترأسها في ما مضى مصطفى شحادة الذي توفيّ منذ فترة قصيرة نتيجة إصابته بمرض عضال، وشحادة كان من بين أبرز الأسماء التي تم طرحها لخلافة عماد مغنية الذي اغتيل في «حمى» النظام السوري أثناء زيارته دمشق.
المصادر ذاتها ترى أنه في ما لو كان هذا الأمر قد حصل فعلاً فهذا يؤكد مدى جهوزية المقاومة ضد أي خرق خارجي وهو في الوقت عينه إنجاز نوعي يُسجل لها. لكن حسابات ما تثبته الوقائع على الأرض لا تتوافق مع حسابات أمن الحزب ولا حسابات المصادر خصوصاً إذا ما تم الكشف عن ضلوع العميل بعمليات تفجير واغتيال حصلت ضمن بعض المناطق المحسوبة على «حزب الله» وتحديداً في الشق المتعلق بعملية اغتيال أحد أبرز قيادييه حسان اللقيس.
يجوز الاعتقاد أن «حزب الله» قد أنهى تحقيقاته مع العميل المضبوط وأنه حصل على كل المعلومات التي يريدها وإلا لما كان أخرج الموضوع من أساسه الى العلن. لكن يبقى السؤال الأبرز متعلق بمصير هذا العميل والعملاء الذين سبقوه، فهل يجوز للحزب الاحتفاظ بهم أم عليه تسليمهم الى الدولة اللبنانية التي لم نسمع بأنها طالبته يوماً بتسليم أي منهم. أسئلة يُجيب عنها الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنا إذ يقول إنه في الشق القانوني يُفترض تسليمه الى الدولة التي كان عليها أولاً أن تُلقي القبض عليه. أمّا وأن الحزب هو من كشفه وألقى القبض عليه فهذا يعني أنه يمتلك قدرات أمنية تفوق قدرات الدولة«.
وبرأي حنا أن تسريب خبر اعتقال عميل في صفوف الحزب كان له رسائل باتجاهات متعددة. «لقد أراد «حزب الله» القول للإسرائيلي إننا ألقينا القبض على عميلكم وأن محاولات اختراقاتكم لنا لن تنفعكم. ثانياً لقد عمد الحزب الى اختبار الوضع ككل بمعنى أنه أراد أن يعلم من هم مشغّلوه وما إذا كانوا يملكون معلومات موثقة عنه. ثالثاً الإعلان بمثابة رفع معنويات للحزب أمام جمهوره من خلال اعترافه بأنه يتمتع بمصداقية عالية ولا يخجل من إعلانه أموراً كهذه».
أما عن نقطة الضعف التي وجدها الإسرائيلي بهذا العميل الذي يُفترض أنه بمنأى عن كل الإغراءات، فيوضح حنا أن العدو يلجأ دائماً الى نقاط الضعف لدى لكل فرد وقد تكون هذه النقطة متعلقة بتركيبته الشخصية أو بأمور أخرى لها علاقة بالعائلة والأبناء إضافة الى الأطماع الشخصية الموجودة لدى معظم البشر«.
وحول الأسباب التي تكمن في وجود عملاء داخل الحزب يعتبر حنا السبب الأساس يعود الى انفلاش الحزب بهذا الشكل ودخوله كلاعب أساسي على الساحة الإقليمية بحيث أصبح لديه على هذه الساحة حركية أمنية وعسكرية». لكن ألا تُسجل عملية كشف الحزب عن عميل داخل صفوفه نقطة لحسابه؟ يجيب حنا «الخرق بحد ذاته مشكلة كبيرة للحزب وإذا تكرر تكون المشكلة أكبر. لكن يبقى الأهم هو حجم الضرر الذي تسبب به هذا العميل من خلال المعلومات التي قدمها لمُشغّليه«.