يبدو حتى الآن انّ الدولار الجمركي هو المورد الوحيد الفعّال لخزينة الدولة، لذا نرى الحكومة تلجأ للمرة الثالثة في غضون أشهر الى رفعه، على ان تكون الرابعة ثابتة لأنه سيصبح وفق دولار صيرفة.
بداية، رفع الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى 15 الفاً باستثناء السيارات التي بقيت على دولار 8000 ليرة، ليعود ويرتفع الى 45 الفاً في نهاية شباط الماضي وقد استثنيت منه السيارات المستوردة مجدداً واحتُسِبت يومها وفق دولار 15 الفاً. وفي جلسة مجلس الوزراء الاخيرة جرى الاتفاق على رفع الدولار الجمركي الى 60 الفاً على ان يعمل به للفترة الممتدة من 18 حتى 30 نيسان الحالي أي انه صالح لحوالى الاسبوعين، قبل ان يرتفع مجدداً ليلتحق بدولار صيرفة اعتباراً من 1 ايار المقبل. امّا في خصوص السيارات المستوردة المشحونة قبل شهر آذار، فسيبقى دولارها الجمركي 15 الفاً على ان كل تلك التي ستشحن بعد هذا التاريخ سيرتفع دولارها الجمركي الى 45 الفاً.
أمّا والبلاد داخلة في عطلة الاعياد للمرة الثالثة هذا الشهر، فهذا يعني انه لا يمكن للتجار التعويل على الاستلحاق والاستيراد على دولار الـ 60 الفاً، خصوصا ان ايام العمل الفعلية من هذا الشهر لا تتعدى الـ4، بما يعني ان الدولار الجمركي قفز عملياً ليلتحق بدولار صيرفة اي بحدود الـ 90 الفاً.
لا شك انّ ارتفاع الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى 90 الفاً في غضون اشهر سيكون له تأثير كبير على اسعار السلع، لكن بداية هل تكشّفت النتائج المالية لارتفاع الدولار الجمركي على الخزينة؟ وماذا عن حركة الاستيراد؟
في السياق، تؤكد مصادر مالية لـ«الجمهورية» انّ رفع الدولار الجمركي انعكس ايجاباً على مالية خزينة الدولة، فقد زادت الواردات عمّا كانت عليه عندما كان الدولار الجمركي بـ 15 الفاً بما لا يقل عن 4 آلاف مليار ليرة شهرياً، ومن المتوقع ان تزيد هذه الايرادات عن 10 آلاف مليار ليرة شهرياً مع البدء باحتساب الدولار الجمركي الجديد.
وأكدت المصادر انّ هذه الزيادة الجمركية ستنعكس بلا شك زيادة في اسعار السلع المستوردة، إنما على المواطن سوى استبدالها بتلك المصنّعة محلياً المعفية من الجمرك ومن الضريبة على القيمة المضافة، وذلك لغرض حماية الصناعة الوطنية، منها على سبيل المثال الجبنة الفرنسية المستوردة والتي يمكن استبدالها بالجنبة البلدية المعفية من الرسوم، أما السلع الأساسية والتي لا بديل منها في لبنان فهي إمّا مُعفاة من الجمرك او انّ رسومها الجمركية أقل من غيرها.
وردا على سؤال، عَزت المصادر تراجع الاستيراد في الفصل الاول من العام الى مخزون التجار الكبير الذي استوردوه العام الماضي استباقاً لرفع الدولار الجمركي، ولا شك انه متى سيُشارف هذا المخزون على الانتهاء سيلجأ التجار الى الاستيراد مجدداً، ما من شأنه ان يرفع واردات الدولة من الدولار الجمركي.
رمال
من جهته، أكد عضو المجلس الاقتصادي التجاري عدنان رمال لـ«الجمهورية» انه سجّل في الفصل الاول من العام الحالي تراجعاً في حجم الاستيراد لأسباب عدة منها تراجع الحركة الاقتصادية والقدرة الشرائية الى جانب الاستيراد المُسبق للبضاعة من قبل التجار خلال الفصل الاخير من العام الماضي استباقاً لارتفاع الدولار الجمركي، مع العلم انّ هذه الخطوة لم تفد التجار كثيراً بسبب تراجع كلفة الشحن عالمياً بما قضى على أي تأثير لارتفاع الدولار الجمركي، وهذا كان السبب الاساسي وراء عدم ارتفاع الاسعار بحيث انه على سبيل المثال تراجعت كلفة الشحن من الصين من 15 الف دولار للمستوعب الى ما بين 2500 دولار و 3500 دولار، وهذا ما يفسّر عدم تأثر الاسعار بارتفاع الدولارالجمركي في المرحلة الاولى، انما رفعه لاحقاً من 45 الفا الى 60 الفا ومن 60 الى 90 الفا سيكون له بالتأكيد تأثيرعلى اسعار السلع التي من المتوقع ان ترتفع من 2 الى 10 % في المرحلة الاولى وستزيد النسبة الى 15 % في المرحلة الثانية، لأنّ الاسعار لن تتأثر فقط بالدولار الجمركي انما ايضا بالضريبة على القيمة المضافة.
واعتبر رمال ان تسعير الدولار الجمركي وفق منصة صيرفة يكون اقرب الى المنطق فيما لو كنّا في اقتصاد طبيعي وفعّال، ولو كان هناك رقابة فعلية وضبط للحدود وقدرة على استيفاء رسوم جمركية عن كل البضاعة التي تدخل الى لبنان وليس فقط على التجار الشرعيين الخاضعين للقانون.
وردا على سؤال، كشف رمال عن تراجع الحركة في السوق وتراجع المبيعات في الفصل الاول من مطلع العام بنسبة لا تقل عن 30 الى 50 % مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2022. وقال: انّ تراجع الحركة يُضاف اليها التخزين الموجود لدى التجار أدّيا الى تراجع الاستيراد، مؤكداً ان الاستيراد غير الشرعي تراجع ايضاً بسبب تراجع القدرة الشرائية عند المواطنين.
مستوردو المواد الغذائية
بدورها، حذّرت نقابة مستوردي المواد الغذائية، برئاسة هاني بحصلي، من «مغبّة رفع الدولار الجمركي الى 60 الف ليرة ومن ثم اعتماد سعر الدولار على منصة صيرفة اعتبارا من أول ايار». وقالت: «صحيح انّ هناك الكثير من المواد الغذائية لن تتأثر برفع الدولار الجمركي لأنها مُعفاة من الرسوم الجمركية، لكن الى جانب ذلك هناك عدد لا بأس به من المواد الغذائية الأساسية تُفرض عليها رسوم جمركية مرتفعة»، مشيرة الى انّ «رفع الدولار الجمركي الى حدود 90 ألف ليرة سيرفع أسعار هذه السلع حوالى 15 في المئة».
وشدّدت على أن «حل هذه المشكلة يكمن في إعفاء هذه السلع من الرسوم الجمركية، خصوصاً أنها مواد غذائية أساسية من جهة، ومن جهة ثانية لا توجد صناعات مماثلة لها في لبنان»، لافتة الى أنّ «النقابة كانت، وبناء على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قد أعدّت لائحة بهذه السلع وسلّمَته إيّاها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإعفائها، لكن هذا الأمر لم يحصل».
وإذ طالبت بـ«ضرورة إعفاء هذه السلع من الرسوم الجمركية في أسرع وقت ممكن»، أكدت في المقابل أنه «يمكن زيادة مداخيل الدولة من أماكن كثيرة أخرى، وأولها ملاحقة الإقتصاد غير الشرعي الذي بات يشكّل أكثر من 50 في المئة من الإقتصاد الوطني، وهذا وحده كفيل بزيادة إيرادات الدولة بأضعاف وسَد جزء كبير من احتياجات الدولة التمويلية».