يُعدّ رفع الدولار الجمركي أحد مطالب صندوق النقد الدولي. وتتجّه الحكومة لإقراره بهدف تعزيز إيراداتها، بعدما مُنيت بخسارة كبيرة نتيجة الإقفال العام إبان جائحة كورونا، والإعفاءات التي منحتها وفقدان العملة لقيمتها وإبقاء تسعيرة معاملات الدولة على السعر المدعوم. لكن، هل التوقيت مناسب اليوم للسير بهذا القرار؟ بعض المؤشرات تدلّ الى انّ رفع الدولار الجمركي سينقل لبنان من ضفة الى اخرى، وسيكتمل معه الفصل الأخير من الانهيار الاقتصادي…
كشف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في خلال اللقاء الحواري الذي عُقد في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، انّه سيتمّ في اول جلسة لمجلس الوزراء البت بالدولار الجمركي، إذ لا يجوز ان يبقى على سعر 1500 ليرة بينما الدولة في حاجة الى إيرادات لتسديد مستحقاتها. وقد أتى تصريح ميقاتي عن الدولار الجمركي في سياق الوعود بإعادة النظر بأجور القطاع العام ورفع بدل النقل، إذ انّ هذين الاستحقاقين يحتّمان على الدولة التفتيش عن إيرادات جديدة لتتمكّن من دفعها لموظفيها. لكن هل الذهاب نحو خيار رفع الضرائب هو الأمثل، في وقت يعاني الاقتصاد اللبناني من تضخّم مفرط؟ هل الوقت مثالي للإقدام على مثل هذه الخطوة التي تحتاج فقط الى قرار وزاري؟ هل من دراسة أُجريت حول تداعيات هكذا قرار على القدرة الشرائية للمواطنين؟ وهل سيتمّ ابتداع سعر صرف جديد للرسوم الجمركية؟
في السياق، أكّد عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال، انّ سعر الدولار الجمركي لن يكون وفق التسعيرة المعتمدة على منصّة صيرفة انما أقل، لافتاً الى انّ معلومات تتردّد عن انّ السعر المعتمد سيكون ما بين 10 و12 الف ليرة، خصوصاً انّ سعر الدولار الحقيقي لم يتضح بعد، وهو لا يزال قابلاً للصعود وللانخفاض، متأثراً بالقرارات والأحداث السياسية.
نموذج عن الاسعار
عن التداعيات المتوقعة لهذا القرار قال رمال لـ«الجمهورية»: «انّ رفع الدولار الجمركي سيؤدّي حكماً الى تقلّص الاستيراد، لأنّ القدرة الشرائية التي لا تزال موجودة عند 20 الى 25% من المواطنين ستتقلّص الى 10%، لافتاً الى انّه إذا رُفع الدولار الجمركي الى 12 الفاً سيتضاعف سعر السلع 8 مرات. على سبيل المثال، أي سلعة مستوردة ثمنها 100 دولار وجمركها 10% سيساوي 10 دولارات اي 15 الفاً وفق دولار 1500 ليرة، وعليه يدفع التاجر ثمنها 101 دولار، (على اعتبار انّ 15 الفاً تساوي اقل من دولار بقليل)، أما اذا احتُسبت هذه الـ 10 دولارات وفق سعر صرف 10 آلاف ليرة للدولار، يتوجب عندها على التاجر دفع رسوم 100 الف ليرة، اي بما يوازي 5 دولارات (على اعتبار انّ سعر الدولار في السوق الموازي 20 الفاً، علما انّه تخطّى 21 الفاً امس) وعليه سترتفع كلفة السلعة عند التاجر الى 105 دولارات».
وأوضح رداً على سؤال، انّ تسعيرة الرسوم الجمركية تختلف باختلاف بلد المنشأ. هناك بعض السلع التي لا تخضع الى رسوم جمركية، وهي تلك الآتية من الدول العربية (التزاماً باتفاقية التيسير العربية) ومن الاتحاد الاوروبي (مرفقة بشهادة منشأ اوروبية)، أما مختلف الواردات من بقية دول العالم فتخضع للرسوم الجمركية، وتعدّ أميركا والصين وتركيا أكبر المصدّرين للبنان، وبالتالي كل واردات هذه الدول سترتفع اسعارها بشكل ملحوظ، وهي في غالبيتها من الكماليات مثل الألبسة، الزينة، «الفوبيجو»، الأحذية والالكترونيات…
كذلك تختلف الرسوم الجمركية وفق نوع السلعة، وهي تتصاعد من رسم 5% الى 25%، الى جانب بعض السلع التي تخضع الى رسم نوعي 100%، وذلك حماية للأنتاج والصناعة الوطنية، مثل الالبسة والاحذية، كما تُحتسب بعض الرسوم وفق زنة السلعة. وبمجموع هذه الرسوم من المتوقع ان ترتفع اسعار السلع مباشرة ما بين 20 الى 25%، قبل احتساب الضريبة على القيمة المضافة التي تتأثر بدورها بكلفة السلعة، لأنّها تُضاف الى ثمن السلعة بعد احتساب كلفة الرسوم الجمركية عليها. على سبيل المثال، اذا استورد التاجر بضاعة بقيمة 10 آلاف دولار، هو يدفع راهناً رسوماً جمركية بقيمة مليون ونصف ليرة وTVA 165 الفاً، لكن في حال رفع الدولار الجمركي الى 12 الفاً سيتضاعف هذا الرسم 8 مرات ليصبح 12 مليون ليرة. يُضاف الى مبلغ الـ12 مليون ليرة رسم الضريبة على القيمة المضافة التي سترتفع الى مليون و650 الفاً. ولا تنته الزيادة هنا، لأنّ المستورد الذي تكبّد كل هذه الأكلاف سيرفع اسعاره مع هامش ربح لدى بيعها للتاجر، والتاجر بدوره سيزيد الاسعار قبل ان يبيعها للمستهلك.
تشريع التهريب
وأكّد رمال انّ هذا الواقع سينعكس سلباً على عمل التجار الذي سيتراجع ويتقلّص. الّا انّ الخشية الحقيقية تكمن خصوصاً في ازدهار اعمال التهريب. فإذا كان المهرّب استفاد من الدولار الجمركي المخفّض ليشرّع عمله، سيعود حتماً الى التهريب بقوة متى ارتفعت الاسعار. وفي هذه الحالة ينمو التهريب على حساب الاقتصاد الشرعي، إذ لن يتمكّن التاجر الشرعي من منافسة التهريب لأنّ الكلفة ستصبح عالية جداً عليه.
وتساءل رمال على أي اساس تتجّه الحكومة لزيادة الضريبة، في وقت يعاني الاقتصاد من الانكماش والركود التضخمي، ويتجّه نحو الكساد الكلي، يضاف اليها تراجع في حجم الأعمال بنسبة 80% في بعض القطاعات والاستهلاك مضروب. وقال: «تهدف الحكومة من خلال هذه الخطوة الى رفع مداخيلها لتتمكّن من تغطية بدل النقل وفرق الرواتب أو السلفة، لكن النتائج ستكون معاكسة، لأنّ الاقتصاد اللبناني تحول الى اقتصاد نقدي، ويستحيل السيطرة عليه من جهة، ومن جهة أخرى سينشّط هذا التوجّه العمل في التهريب في ظل الحدود الفالتة والمفتوحة، فمن سيتكبّد 100 مليون لإخراج مستوعب سيفضّل دفع 5 ملايين خوة وتخليصه.
اما إذا كان الهدف غير المعلن من هذا التوجّه خفض القدرة الشرائية للمواطن، من خلال خفض الاستيراد والحدّ من إخراج الدولارات من البلد، فهو كمن يسير بثبات في سياسة إفقار الشعب». وأكّد انّ «مداخيل الدولة التي ستتأتى نتيجة هذه الخطوة لتوزع رواتب واجور، ستتبخّر في أسرع وقت. فإذا كان الراتب يشكّل اليوم 10% من القيمة التي كانت عليه سابقاً اي قبل الأزمة، سيرفع هذا القرار اذا اتُخذ قيمة راتب الموظف الى 15%، لكن بعد الزيادة والتضخم المتوقع بنتيجتها ستصبح قيمة الراتب 7% فقط من قيمته قبل الأزمة، وسيترحم عندها المواطن على ما كان عليه قبل هذه الزيادة، تماماً كما حصل بعد إعطاء سلسلة الرتب والرواتب، نفس السيناريو يتكرّر».