ما إن أوصل «الطلبية «، حتى استأذنني قائلاً: أرجوك أن تنقل مشكلتي إلى من يعنيه الأمر. فرحّبت به ليسترسل قائلاً: أنا شابٌ لبناني في أوائل العشرينات من عمري، أنهيت دراستي الجامعية قبل سنتين وبدأت أبحث عن وظيفةٍ تؤمّن لي دخلاً يُمكّنني من الاعتماد على نفسي، فأخفف العبء عن والدي الذي يُعيلنا أنا وأمي وإخوتي، بالرغم من مرتّبه المتواضع الذي بالكاد يقوم بأوَد متطلبات البيت في الحدود الدنيا.
وأضاف: باشرت الاتصال بشركات ومؤسسات في لبنان وفي البلدان العربية وفي دول العالم الأبعد. وما زلت أنتظر جواباً يُشفي غليلي. ومصادفةً، قرأت في إحدى الصحف إعلاناً يطلب موظف «ديليفيري «، فقبلوا توظيفي بأن أنقل السلع إلى طالبيها من الشركة التي استخدمتني.
ومضى يقول: قبل أيام، اكتشفت أن هاتفي النقال متوقّف عن الخدمة، فقصدت شركة الخليوي المعنية، فأبلغوني أن علي التوجّه إلى «ليبان بوست « حيث أجد الجواب الشافي والحل لمشكلة الموبايل خاصتي. وفعلاً، توجّهت إلى هناك، حيث تفحّص أحد الموظفين الجهاز وأبلغ إلي أن سبب توقّفه يعود إلى ما يتوجّب عليّ تسديده كرسمٍ جمركي. هنا، تذكّرت أن نسيباً لي أهداني إياه منذ ما قبل أربع سنوات، وقد جاءني به من دبي حيث يُقيم ويعمل. سألت الموظف عن المبلغ المتوجّب، فأجابني أنه نحو تسعماية ألف ليرة. فصُعقت، لأنني لا أملك هذا المبلغ، وبالكاد «أدبّر حالي « بما أتقاضاه شهرياً وهو ثلاثة ملايين وخمسماية ألف ليرة. وعندما أبلغت إلى موظف «ليبان بوست « بأن المبلغ كبير وفوق طاقتي، أوضح لي أنه فعلاً كبير لأن الدولار الجمركي ارتفع إلى حسبةٍ جديدة نُعاني منها كلنا. وأنني إذا لم أسدد خلال أيام، فسيحترق خط الهاتف.
وقال: أنا أفهم أن يكون سعر الدولار الجمركي الجديد معمولاً به مع تاريخ إقراره، ولكن بأي منطق يُعمل به مع مفعولٍ رجعي والموبايل أدخِل إلى لبنان قبل أربع سنوات من هذا التاريخ. وثانياً، لماذا لم تتقاضَ الجهة المعنية في مديرية الجمارك ووزارة المال والموازنة المبلغ المُستحق في حينه؟ وثالثاً، قد يقول قائل إن مبلغ التسعماية ألف هو محدودٌ جداً إلى سعر الدولار المرتفع، ولكن يا أستاذ، هل نحن نقبض بالدولار؟ أليس هذا التدبير، خصوصاً مع مفعوله الرجعي، ظالماً ويزيد من الضغط والضائقة اللذين يُلقيان بأثقالهما على عامة الناس؟
وليس لي سوى أن أنقل هذه المرارة إلى أصحاب العلاقة مؤكّداً على تضامني مع أصحاب هذه الشكوى، وهم كُثر، وليس من مثيلٍ لهذا التدبير، رجعي المفعول، في أكثر بلدان العالم تخلّفاً، ولا عند سيئ الذكر قرقوش.