IMLebanon

قطع حساب أم أنفاس؟

 

انتهت جلسات مجلس النواب لمناقشة الموازنة، حيث شهدت ما يشبه سوق عكاظ الذي سرعان ما تحول الى منبر انتخابي بامتياز، فجاءت المداخلات باهتة شبيهة بالفراغ السياسي المدوي الذي حوّل العهد، بكل ما كان يحمل من تطلعات للمواطن نحو اندفاعة مثمرة نتيجة التوافق السياسي الذي تم بين مختلف الافرقاء، والذي وضع حدا للفراغ الرئاسي ووعد بإعادة دوران العجلة الإنتاجية بغية الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة… الى سراب سرعان ما تبخر بعدما عاد اللبناني على بدء، فحصل على السلسلة التي طال انتظارها شرط ان يتم تمويلها من جيبه الخاص، وبات يتمسك بأهداب التوافق الذي يضمحل يوما بعد يوم حسب بورصة الحسابات الشخصية، فعاد الخطاب الطائفي من الممثل الاول لسياسة العهد، ودخل التفرد بالقرارات الاستراتيجية على التوافق حول تحييد لبنان عن الصراعات المحيطة به والنيران السورية تحديدا، مما ضعضع وحدة الدولة والتوافق بين سائر أركانها!

إلا ان جلسات مناقشة الموازنة لم تكن أفضل حالا، فإلى جانب الخطاب الانتخابي الذي احتل المساحة الأكبر من المداخلات، جاء الجدل البيزنطي حول تمرير الموازنة قبل قطع الحساب او بعده، اذا ما تم تأجيله، ليظهر من جديد هشاشة التوافق في ظل اصرار بعض الأطراف على عدم طي صفحة الماضي المثقلة بالخلافات، بل على العكس إبقائها سيفا مسلطا على صيغة المساكنة السياسية الواقعة اليوم، لضربها متى دعت الحاجة الإقليمية والمصلحة الخاصة!

ان منطق معالجة الميزانية اليوم يطرح تساؤلات عديدة عن الاعتراضات الشرسة السابقة والتي أدت الى تعطيل الموازنة لسنوات طويلة، مع كل الانعكاسات السلبية على الاقتصاد وتبعاتها الثقيلة على كاهل المواطن، حيث تحوّل ما كان محرّماً بشكل قاطع، أي تمرير موازنة من دون قطع حساب، الى حلال اليوم، شرط ان يبقى قطع الحساب ورقة انتخابية بيد فئة معينة، مما يؤكد نظرية عدم طي صفحة الخلافات بشكل جدي للانطلاق بحركة اصلاحية لميزانية الدولة وبنائها على أسس ثابتة بعيدا عن الكيدية حتى لا تقع هي أيضا ضحية الانزلاقات السياسية الخطيرة.

اما الحملة العدوانية على حاكمية مصرف لبنان، المؤسسة الوطنية الوحيدة التي نجحت حتى اليوم في تحييد نفسها عن وحول السياسة، فلا يمكن ان تمر تحت خانة النوايا الصافية والغيورة على المال العام فقط ! فإلى جانب رغبة كل لبناني برؤية خطوات رسمية جدية نحو مكافحة الفساد ووضع حد للفساد المستشري في المؤسسات الرسمية، الا ان السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو لماذا الانتظار كل هذه السنوات لتطلب القوات اللبنانية لجنة تحقيق بمالية مصرف لبنان، علما ان موازنة المصرف كانت تقدم كل سنة مع قطع حساب؟ لماذا السكوت عشرون عاما على الفساد، اذا ما كانت الادعاءات صحيحة؟ وهل هي الخطوة السليمة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي بعدما فشلت هذه الطبقة السياسية في الحفاظ على توفير الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي؟

انه حلم كل مواطن شريف ان تقفل مزاريب الهدر ويتم وضع حد للفساد وتتم محاسبة المفسدين، ولكنه لم يعد مقبولا ولا ممكنا خداع هذا المواطن نفسه عبر استغلال حلمه وتوظيفه لخدمة مصالح شخصية، اضافة الى تعريض الاقتصاد الى خضات هو غير قادر على مواجهتها… اما اذا ثبتت ادعاءات النائب عدوان، فان كل سياسي دون استثناء، وكل حزب وتيار وفريق، مسؤول امام اللبنانيين جميعا بجرم التستر على السرقة والمشاركة بالفساد طوال «عشرين عاما»! وهنا يكون قطع الحساب مع الناخب عند صندوق الاقتراع.