Site icon IMLebanon

ماذا لو رأيتم كلمة مروركم السرية على رسالة إبتزاز؟

 

 

الجرائم الإلكترونية تتفشّى كما الفطر

 

لم يمرّ نيسان وأيار، على كثيرين، مرور الكرام، ليس خوفاً من كوفيد 19 ولا هلعاً من جوعٍ داهم ولا ريبة من مستقبل مجهول بل خجلاً من مبتزّ يقول إنه التقط “إلكترونياً” لحظات “محرجة” من لحظات البشر الحميمة! هو إبتزازٌ عبر رسالة إلكترونية إحتيالية جديدة مرفقة بالرقم السري “الباسوورد” الخاص! هو خطرٌ تسبّب بقلقٍ أشدّ من قلق “كورونا”!

 

وصلته رسالة عبر بريده الإلكتروني اـ”هوتميل”. نظر في هاتفه بعفوية، كما يفعل دائماً حين تصله إشارة بذلك، لكن في لحظة، في أقل من لحظة، جمد في مكانه وهو يقرأ عنوان الرسالة: “هذه هي كلمة مرور بريدك الإلكتروني السرية”. عنوان كان كفيلاً أن يجعله يفتح الرسالة. هي حقاً كلمته السرية التي بدلها من أشهر. جمد في مكانه. تصبب العرق من جبينه. فتح الرسالة البريدية وراح يقرأ بخوف: “أعرف أن هذه هي كلمتك السرية فلا تتهرب. أنت لا تعرفني لكني أعرفك جيداً. إكتشفت زياراتك المتكررة الى مواقع إباحية. وبينما كنت تشاهد ما فيها إلتقطت الكاميرا في حاسوبك فيديوات لك وأنت “تتلذذ” في المشاهدة. فهل تتصور ما في حوزتنا؟ ماذا عليك أن تفعل؟ أعتقد أن مبلغ 1900 دولار هو مبلغ عادل مقابل الصور والفيديوات المحرجة التي التقطناها لك. وإذا لم تدفع سنرسل المشاهد والصور الى أصدقائك”.

 

شعر بدوار. خارت قواه. نزلت عليه الأفكار السوداء كما أطنان من الحديد الصلب. ماذا فعل؟ هو فتح، مثل كثيرين، مرة أو مرتين مواقع إباحية. ماذا يفترض أن يفعل الآن؟ يدفع؟ المصارف اللبنانية لا تحول أموالاً الى الخارج؟ و”المبتز” يريد دولاراً ولا دولارات في حوزته. حاول أن ينام علّه ينسى. عاد وقرأ الرسالة من جديد. محاها ظنّاً منه أنه يمحو الدليل. بعد 48 ساعة أتته رسالة جديدة، بإسمٍ جديد، تُنذره بوجوب الدفع وإلا…! وما حصل معه حصل مع كثيرين، شعروا بما شعر، وتصرف بعضهم “بفورة” غضب ورمى بعضهم الرسائل وهم “يندبون حظهم”. فهل القلق جائز؟ من يراجعون؟ هل أصحاب هكذا رسائل يُنفذون تهديداتهم؟ هل الحياة باتت مكشوفة بالكامل إلكترونياً؟ من يحميهم؟

 

لدى قوى الأمن الداخلي في لبنان خط ساخن عنوانه “بلّغ” وهي تتلقى في استمرار تبليغات عن رسائل إحتيالية ومحاولات إبتزاز تحصل أو قد تحصل في لبنان. لكن، ما حصل في الشهرين الماضيين شكّل ظاهرة عالمية أصابت عدداً كبيراً، أكبر حتى من إصابات كورونا. فماذا في تفاصيلها؟

 

آلاف الشكاوى قُدمت في نيوزيلندا في شهر واحد. وآلاف آلاف في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض آسيا. وملايين وقعوا في العالم ضحيتها. هذا النوع من التهديد يتعامل معه كثيرون، حتى من يظنون أنفسهم أذكياء كفاية كي لا يقعوا في قبضة المبتزين، بجدية. فماذا لو نفذ المبتز تهديده؟ سؤالٌ يظل يلحّ عليهم طويلاً و”يخرب” حياتهم ويشقلب لحظاتهم رأساً على عقب.

 

ما يحصل، بحسب خبير في شؤون التكنولوجيا المعلوماتية، هو أن هناك من ينجحون عالمياً في اختراق البيانات التي يتم حفظها مثل كلمات السرّ الإلكترونية السابقة، وهم يستخدمونها في ليّ ذراع ضحاياهم من مستخدمي البريد الالكتروني عبر الإدعاء أنهم يعرفون “الروتين اليومي” للضحية وجعلها تشك حتى في نفسها. الرسائل، لمن يهمه الأمر، تُرسل عشوائياً من مجرمي الإنترنت، ممن وجدوا أنفسهم بلا عمل، في زمن كورونا، والناس، في كل العالم، في بيوتهم، فانطلقوا يخربون عليهم حتى هذا الهدوء القسري. لكن الناس يخافون، حتى من لم يدخلوا يوماً عالم المواقع الإباحية يجعلونهم يشكون بأنفسهم ويخشون أن يكون هناك بالفعل من اخترق أجهزتهم الإلكترونية التي بات عالمهم واكتشفوا ما ظنّوه أنه ملكاً لهم وحدهم. مهلاً، لا تصابوا بالذعر حتى ولو رأيتم “كلمة السرّ” التي تظنونها واجهة عبوركم الى عالمكم السري في أيدي غرباء. هم لا يعرفونكم بل أخذوها من صندوق كلمات السرّ السيبراني. صحيح أن تكتيك هؤلاء ينفذ ببراعة لكن ثقوا أنكم، في هذه اللحظات، يجب أن تكونوا أذكى منهم. وقد يصلكم منها، كما وصل الى ذاك الذي جفل حين رأى ما رآه من كلمته السرية معلنة مباحة بين أيدي المجرمين، رسائل متتالية، لكن حين لا تجيبون عليها سيشعر المجرمون أن الحساب ما عاد فاعلاً ويتركونكم وشأنكم.

 

المجرمون يتكيفون بسهولة وسرعة مع التطورات التي يعيشها العالم اليوم. ويبحثون عن مصادر رزق جديدة، أنتم في عدادها، فلا تكونوا مصائد سهلة. لا تجيبوا أبداً على الرسائل. لا تقلقوا. لا تجلسوا في أماكنكم تائهين خائفين مترددين خائبين بل تابعوا حياتكم في شكل عادي. فالمخادعون سيفهمون أنكم لستم فرائس سهلة وسيتوقفون بعد رسالتين أو ثلاث عن إرسالها. في كل حال، هي تُرسل عشوائياً, مليون رسالة بكبسة زر واحدة. ويراهنون عليكم. إنهم يراهنون على سقوطكم بين أيديهم وعلى أرباح سهلة يحققونها.

 

هؤلاء، المجرمون، يطلبون السداد عن طريق “البيتكوين”، وهي عملة رقمية عالمية لا مركزية وغير تقليدية يتم تداولها عبر الانترنت. طريقة الدفع هذه تحمي المبتزين.

 

هي رسائل إحتيالية ونقطة على السطر. بدلوا دائماً “كلمات السرّ” المرورية. كم من مرة سمعتم بدعوات من هذا النوع. وكم من مرة قيل لكم كلمات المرور السرية ضعيفة. بدلوها اليوم ولا تصابوا، للمرة الألف، بهلع إذا رأيتم كلمة سرّ قديمة قد أصبحت معلنة. المجرمون نجحوا منذ فترة في إختراق ملايين كلمات المرور القديمة وباتت في حوذتهم. وهذا لن يكون خطيراً إذا كانت “كلمات السرّ” الحالية حصينة.

 

كأنه ينقص هذا العالم أساليب إحتيال جديدة. وكأنه تنقص اللبنانيين بالتحديد توجسات جديدة وقلق آخر يزيد قلقاً على كاهلهم. كثيرون دفعوا. كثيرون سقطوا في المصيدة لكنهم لا يعترفون. ومن دفع مرة سيضطر أن يدفع من جديد لأنه يتعامل مع مجرمين سيبريين محترفين، يعرفون كيف يخترقون الخصوصيات ويجعلون الضعفاء يسرعون إلى “لملمة” الموضوع مخافة أن تفتح عليهم أبواب الجحيم.

 

قوى الأمن الداخلي في لبنان تعرف ما يحصل اليوم، في خضم كل المشاكل التي تحوط بالبلد، وهي تكرر”بلّغ” لكن قلة تبلّغ، فالأمر محرج خصوصاً حين يكون “الفأر” العالق في “المصيدة” إنساناً بالغاً ناضجاً (أو إنسانة) يخشى على سمعته.

 

موقع الـ”هوتميل” الإلكتروني أعلن عن هذا الهجوم الذي يتعرض له أصحاب الحسابات وطمأن الى أن التعامل يفترض أن يكون واعياً، بلا هلع، لأن الوعي يجعله يمرّ مرور الكرام. ويشير إختصاصيون الى أنه لم يثبت حتى الآن أن المبتزين ينفذون تهديداتهم. ونشدد على كلمة “مبتزين” لا مبتز واحد لأنهم عصابة وإذا تمّ الدفع الى واحد منهم ستُثار حفيظة البقية التي ستطالب بالمزيد والمزيد والمزيد، “تكتيك” تعرف متى يبدأ ولا تعرف متى ينتهي.

 

صحيح أن هذا النوع من الإبتزاز العالمي الإلكتروني كان قبل كورونا لكنه معها وبعدها أصبح مضاعفاً بدليل أن الأرقام المنشورة عالمياً تشي أن عدد رسائل الإبتزاز التي قدم أصحابها بها شكاوى في نيسان عام 2019 لم تكن تتعدى الثلاثة آلاف لكنها وصلت في نيسان من العام 2020 الى أكثر من 40 ألفاً.

 

هنا، في لبنان، تنحصر التبليغات حول رسائل إبتزازية داخلية. شاب لبناني يبتز صبية أرسلت له صورها أو إمرأة تلقت من رجل تعرفت عليه “فيسبوكياً” رسالة إبتزاز بنشر فيديو لها أو فتاة تبتزّ رجلاً غنياً، تعرفه، بنشر صوره، أما “الإبتزاز الكوروني” العالمي فله تكتيكه الخاص الذي تعرض له الآلاف، في الشهرين الماضيين، في لبنان.

 

إذا كنتم من ضحايا هذا النوع من الإبتزاز الذي انتشر كما الفطر، أو من سيتعرضون لاحقاً له، ضعوا أيديكم في المياه الباردة حتى ولو رأيتم “كلمات المرور السرية” الخاصة بكم معلنة، فالأمر مجرد إبتزاز سينتهي بمجرد إبتسامة منكم وغضّ نظر!