زار قبرص خلال العام 2017 ما يقارب 3.56 ملايين سائح مقابل 3.18 ملايين في العام السابق بزيادة 14.6 في المئة. وبلغت ايرادات القطاع السياحي في ذلك العام 2.63 مليار يورو (ما يقارب 3 مليارات دولار) متخطية الرقم القياسي للعام السابق بزيادة بلغت 11.7 في المئة. أما أكثر السياح والزوار بذخاً فكان اللبناني الذي صرف في يومه ما صرفه سبعة من فقراء الزوار النروجيين!
إيراد هذه الأرقام القبرصية يأتي من باب التذكير والمقارنة وليس للتندر بسطحية السلوك اللبناني عموماً. فقبرص عاشت أزمة خانقة تفجرت في 2013، تعافت منها بعد اتفاق توصلت اليه مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذ اقتصاد الجزيرة، وتضمن الاتفاق تقديم نحو 10 مليارات يورو تضخ في عملية الإنقاذ.
بعد الاتفاق، وهذه نقطة مهمة، أعلن الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس عن فرض قيود موقتة على عمليات السحب من البنوك “حتى عودة الأمور الى طبيعتها”. وبموجب هذه التدابير لم يسمح بتحويل الأموال الى الخارج ووضعت قيوداً على عمليات السحب مماثلة لما يجري تداوله اليوم في لبنان من كابيتال كونترول وهيركات.
أقفل البنك المركزي القبرصي جميع البنوك وحدّد يوماً لعودتها الى العمل بعد ان كانت الحكومة انجزت اتفاق الإنقاذ مترافقاً مع نقاشات حامية في مجلس النواب حذرت خلاله معارضة قوية من سياسات تضرّ بالفئات الشعبية ومكاسبها الاجتماعية.
قضت الخطة بتأمين مليارات وفرها المودعون الكبار حسب حجم ودائعهم بعد ان منعت تدابير الإقفال تهريب الأموال الى الخارج، وأسفر الأجراء عن تقليص حجم القطاع المصرفي القبرصي الذي كان يمثل حوالى ثمانية أضعاف اجمالي الناتج الداخلي.
بعد خمس سنوات أعلن صندوق النقد تعافي اقتصاد الجزيرة بفعل قطاعات السياحة والبناء والخدمات المهنية الا ان مديونية القطاع الخاص لا تزال مرتفعة للغاية.
ونصح الصندوق الذي يراقب إجراءات الإنقاذ منذ 2013 بتعزيز “انضباط المدفوعات ودعم النمو المتوازن والدائم الذي يساعد في الحفاظ على الاستقرار المالي”.
عند النظر الى الوراء نجد ان قبرص انجزت خطوات للخروج من ازمتها. سددت قرضاً روسياً من مليارين ونصف مليار يورو قبل الموعد وحققت إنجازات في مجال خفض معدلات البطالة من دون ان يعني ذلك ان النقاش الداخلي قد توقف فيما مالت سياسات البلد الداخلية الى اليمين بعد سنوات من حكم اليسار.
لم تكن التدابير الأوروبية ولا المساعدات ولا دور صندوق النقد الدولي كافية لإخراج قبرص من ورطتها. لزم الأمر إجراءات قاسية من جانب مؤسسات دستورية تُحاسِب وتستبدل في انتخابات عامة محترمة المواعيد، وفي سنوات الأزمة انتقل الحكم من اليسار الى اليمين وما زال كل شيء عرضة لإعادة النظر. وللخروج من الأزمة لزم استقرار وانتعاش لقطاعات تعتمد عليها الجزيرة، ولذلك شهدنا هذه الأرقام التي حققتها السياحة، فيما كان لبنان يحاصر نفسه بسياسات القطيعة مع عالمه العربي والعالم كله ويفقد موارد بمليارات الدولارات، فيما تنصرف طغمته السياسية المالية الى ترتيب نهبها للمال العام وتهريب الأموال من المصارف قبل البحث بأية خطة انقاذ…