تسمّرتُ أمام التلفزيون وأنا أُتابع المؤتمر الصحافي الحاشد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فالقيصر الواثق من نفسه ومن شعبه، يستطيع أن يردَّ التحيَّة بأحسن منها، وأن يجعل التحدّي سيفاً ذا حدين، وأن يَكيل الصاع صاعين.
كان القيصر يزأر في حضور أكثر من ألف صحافي وهو يفنِّد الأسباب والغايات والمآرب التي “يصبو” إليها الغرب بقيادة أميركا “في محاولاته الفاشلة للنّيل من روسيا والشرق الذي لم ولن يتغيّر”.
بمنتهى الصراحة والوضوح تصدّى للموقف الأميركي بكل قَسوته، و”لعدائيَّة الغرب ضد روسيا”، ولمحاولات واشنطن محاصرة الدبّ الروسي بجدار افتراضي جديد “يتكوَّن من الدرع الصاروخيَّة قرب حدودنا”.
لا، لن ينجحوا. ولن يتمكّنوا من النّيْل من هذا القيصر القوي والشجاع والذكي، الذي حرص على أن تعكس إطلالته التلفزيونيَّة خلال المؤتمر الصحافي السنوي الكبرياء الروسيَّة بكل أبعادها، معبِّراً عنها في أكثر من إجابة لم يخلُ معظمها من التهكّم على الغرب في “حربه الفاشلة حتماً ضد الإرادة الروسيّة التي تأبى أن تلين أو تنحني… والأيام بيننا”.
من الممتع والمدهش متابعة القيصر وهو يُعلن على الملأ أن الغرب يواصل “إجراءاته اليائسة التي تستهدف تدمير روسيا”، سعياً من هذا الغرب إلى فعل كل ما يتوهّمون أنه يمكّنهم من وضع اليد على الموارد الطبيعيَّة المتنوّعة والنادرة في سيبيريا.
وهنا على ما يبدو بيت القصيد، وبيت “الأسرار” بالنسبة إلى الهجمة الغربيَّة الجديدة على الروسيا والشرق… و”بتحريض مستمر من واشنطن”.
واثق من الشعب الروسي الذي يجهله الغرب، “ولا تعرف أميركا ماذا تعني الروسيا لشعبها ولدول الشرق قاطبة”. واثقٌ من حلفائه. واثق من عودة الروح إلى الروبل والاقتصاد الروسي بصورة عامّة، وخلال سنتين في أسوأ الأحوال والتطورات.
يبدو أنه مطمئن إلى موقفه وقراراته، ومستند إلى وقوف شعبه معه ودعمه لسياسته بنسبة بلغت الثمانين في المئة قبل المؤتمر. وليس مستغرباً أو مستبعداً أن ترتفع هذه النسبة إلى التسعين، وفق توقّعات أعقبت المؤتمر بعد أقل من ساعة.
إلى أين تؤدّي هذه التطورات، وما هي حصّة الشرق الأوسط، وتحديداً المنطقة العربيَّة من هذه المواجهة المتصاعدة بين الغرب وزعيمته أميركا، والشرق وزعيمته روسيّا؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، وما قد يتم تظهيره على مسرحين للعنف أحدهما في سوريا والآخر في العراق… حيث الكباش مستمرٌّ بين إيران والروسيا ضمناً من جهة، وأميركا والتكفيريّين والإرهابيّين من الجهة المقابلة.
القيصر قبِلَ التحدّي في معرض إعلانه أنه مغرم حتى الثمالة.