من هو هذا التنظيم الذي إسمه «الداعش» أو الداهش، أو المتنبي الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس، ومن هو هذا «النابوليون» الذي قيل فيه يوماً: إنه يخوض حروباً ضد العشرين أمّة، وهو الذي يواجه اليوم العشرين أمة ويقتحم معقل نابوليون الباريسي.
والحقيقة، أن «عَنْتر» الذي لم تستطع جيوش العرب والعجم أن تردعه، هو الذي عنْتَرَ نفسه ولم يردّه أحد، وهذا ما تؤكده الوقائع الحسيّة والميدانية التي تقول:
ما دامت الدول العربية المعادية لإسرائيل: قومياً وتاريخياً وعقائدياً، تتولى الحروب الداعشية فيها، تفجير طاقاتها، وتبديد كياناتها، وتدمير بنيانها، وتهجير أبنائها، وتعميق الإنشقاقات فيها: بين الجيوش والجيوش، وبين الشعوب والشعوب، والمذاهب والمذاهب، والعشائر والعشائر.
وما دام العالم العربي يتخبط في همجية هذه الحرب بكل أشكال الإبادة التي قضى فيها مئات الألوف بالغازات السامة والأسلحة الفتّاكة والسيوف المسنّنة والبراميل، فإذا العرب والمسلمون يتكشفون على مرأى العالم الغربي كأنهم جماعات متوحشة لا تتعايش مع المجتمعات الإنسانية والعالم الحضاري المتمدن.
وما دامت قيمة الأسلحة والذخائر التي تستهلك شهرياً في الحروب الداعشية – حسب رأي الخبراء – تكاد تقارب موازنة كل من وزارتي الدفاع العراقية والسورية، وهي بمعظمها الأكبر ولا سيما صواريخ «نوماهوك» مصنّعة في شركة «نوكهيدمارتن» التي يملكها الإسرائيليون.
وما دامت تركيا والدول العربية التي يطلق عليها إسم العرب الأميركان – وبالرغم من أن الموسى قد وصلت الى ذقـنها – لا تزال ترى في «داعش» المعادلة المذهبية والعسكرية مع إيران، بما يحقق تكافؤ المكاسب في أي تسوية يتم أنضاجها في المنطقة.
وما دامت الطلعات الجوية للتحالف الدولي على المواقع الداعشية لا يزال طلوعها نزولاً أو تنازلاً… فضلاً عما تكشفه معالجة الأربعة والعشرين عنصراً مصاباً من جبهة النصرة في مستشفيات إسرائيل.
فهذا يعني بحسب قانون المعادلات أن الحرب مستمرة، ما دامت تحقق مصالح الذين يوقدون نارها، وقد يطول عمرها حسبما حدده الرئيس الأميركي أوباما – «طال عمره» – على مدى ثلاث سنوات على الأقل، مثلما تكرّمت الولايات المتحدة الأميركية «مشكورة» بتأمين التوازن بين المتقاتلين بواسطة التدريب والتسليح.
هكذا تشكل الحروب بين العرب والعرب دولاً وشعوباً ومذاهب خاتمة للأسطورة التاريخية التي تغنَّتْ بأناشيد العروبة، والأمة العربية الخالدة، والقومية العربية الماجدة، والقضية العربية الأولى.
إنه الحليب العربي المجفّف الذي تبادلته الأقطار العربية، بين البلد العربي الشقيق، والأخ العربي الشقيق، وباتَ مَنْ إذا نادى يا أخي، لا يجيبه إلا الذين ولدتهم أمه.