IMLebanon

“داعش” و”النصرة” والثورة الكذبة

الثورة السورية… أين حدودها وما هي أهدافها؟ لكل تحرّك أو انتفاضة أو ثورة تطلعات وأهداف ومسار وحدود، لأن عدم تحديد خطوط العرض والطول يجعل كل حراك يذهب هباء ويضيع في اللاحدود، وهو ما حصل مع ثورات وانتفاضات تحوّلت عن مسارها. وغالباً ما يتكرّر الأمر، إذ أن صنّاع الثورات يختلفون تماماً عن اولئك الذين يعيدون تركيب السلطة التي تأتي شبيهة الى حد كبير بما سبقها.

الثورة السورية، التي بدأت ربما صدفة، سلكت مساراً واضحاً، مبنياً على رؤية نخبة من المثقفين ونقمة الكثيرين من المضطهدين والمنبوذين في الداخل السوري، قبل أن يتفرق الأحبة، وتُسرق الثورة من أهلها الى تنظيمات ارهابية أبرزها “داعش” و”النصرة”، تضمّ لقطاء وارهابيين من كل انحاء العالم، لا همّ وطنياً عندهم، ولا شعور قومياً، ولا حس إنسانياً.

الثورة السورية لم تعد ضد النظام، بل على العكس فهي تدفع بالمجتمع الدولي الى احضان النظام للتعاون معه في التصدي للارهابيين صنيعة هذا النظام وبعض المجتمع الدولي معاً. الارتكابات والجرائم تجعل الناس، والمعارضين للنظام، يترحّمون على الماضي القريب، ويندمون على “تلك الساعة”. ومحاربة النظام السوري لا يمكن أن تتمّ في عرسال او في عكار وطرابلس، ولا يمكن أن تخزن الاسلحة في البقاع وجبل لبنان، ولا يمكن ان تفيد من طاقاتها عبر تحريك مجموعات ارهابية في لبنان، لأن هذا كله يخدم النظام الأسدي، ويذكر غالباً بارتكاباته اللبنانية، بل يتعداها في الاجرام.

الثورة السورية ليست وطنية، إذ انها لا تعترف بأي وطن، وتمعن في تدمير ماضي سوريا ومستقبلها، فلا تترك أثراً ولا حجراً ولا بشراً، وتقضي على المؤسسات، والأهم على التنوع الديني والمذهبي والثقافي الذي ميّز بلاد الشام. وبما أن الثورة الحالية لا تعترف بالحدود، فإنها تخطت حدودها الى لبنان، فاحتلت جرود عرسال، وجعلت البلدة رهينة، وخطفت عسكريين، وقتلت بعضهم، ولم تقم وزناً لأهالي الثوار الذين لجأوا الى لبنان، فعرضت حياتهم للخطر المتصاعد من جراء عمليات انتقام قد تحدث في مخيم أو تجمع أو أي مكان آخر.

الثورة السورية لم تعد اسلامية، إذ إن الاسلام تعامل مع “أهل الذمة” (على رغم المأخذ على التعبير في القرن الحادي والعشرين) بالحسنى، والقرآن أقرّ بوجود أهل الكتاب وبأنبيائهم وبكتبهم، واعترف بالتنوع والتعدد في مهده. والاسلام، كدين إلهي، لا يجيز القتل على الهوية وهتك الاعراض وسبي النساء وترهيب الاولاد، أو هكذا يجب أن يكون، لأن إله الاديان إله خير وليس سفّاك دماء.

والثورة السورية لم تعد انسانية (والانسانية أوسع من الاسلام والمسيحية وكل دين أو عقيدة)، فالقتل بالذبح صار شعارها الأول، والاعتداء على النساء من شيمها، والخطف الميليشيوي على الهوية أصبح عادة يومية.

في الواقع، تحولت الثورة مع “داعش” و”النصرة” فصارت كذبة.