«داعش» وإيران في مقدِّم الذين ساهموا في «الانتصار» الكبير الذي حققه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الانتخابات، وفاجأ الإسرائيليين أنفسهم!
ولكن، هل يُعقل ان تكون الجمهورية الإسلامية في إيران حليفاً لزعيم «ليكود» الذي ملأ الدنيا صراخاً، ليحذّر من أهداف البرنامج النووي لطهران، و «مراوغات» في المفاوضات النووية، وكاد يلعن علناً «انبطاح» إدارة الرئيس باراك أوباما في «التنازل» لدولة بقيت سنوات طويلة «راعية للإرهاب»، وفق التصنيف الأميركي؟
وهل يُعقل أن يكون تنظيم «داعش» الذي سمّى نفسه «دولة الخلافة» بين الذين صوّتوا لـ «بيبي» (نتانياهو) فقط لأنه يواجه «المعسكر الصهيوني»؟
الجواب هو نعم، لأن الإسرائيلي الذي لم يكترث- يميناً ويساراً- بالبحث عن أسباب موت المفاوضات مع الفلسطينيين، إذ يرى فيهم جميعاً «حماس» وصواريخها، بات خاضعاً لبروباغندا نتانياهو الانتخابية التي جعلت الأمن أولوية، ورفعت «داعش» إلى المرتبة الأولى على لائحة «أخطار» تهدد كيان الدولة العبرية. لعب «بيبي» باجتهاد على وتر قلق الإسرائيليين من تمدُّد الحريق الذي يلتهم الشرق الأوسط.
لعب «بيبي» ورقة افتراضية، لأن غالبية ضحايا «داعش، عرب مسلمون ومسيحيون، والجميع شاهد كيف ابتعدت «جبهة النصرة» عن جبهة الجولان. الورقة الثانية الفعلية هي أن نتائج حرب غزة التي فشلت في شطب «حماس»، شدّت أواصر اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهو اعتبر أن القوة وحدها أرغمت الحركة على وقف إطلاق الصواريخ على الدولة العبرية، وأغرقت «حماس» في أعباء المشرّدين الذين دمّرت الحرب منازلهم، ولم تُسعفهم مشاريع المصالحة بين الحركة والسلطة.
عزف نتانياهو طويلاً على أوتار «الخطر الإسلامي»، ونقل معركته الانتخابية الى مسرحين: الأول فرنسي بعد الهجوم على مقر مجلة «شارلي إيبدو»، إذ ألحّ على يهود فرنسا ليهاجروا إلى بقعة أكثر أمناً (إسرائيل) والثاني أميركي حيث استنفر اللوبي اليهودي في الكونغرس فبدأ شغباً متحدّياً سعي الرئيس باراك أوباما إلى توقيع اتفاق نووي مع إيران.
وبين «خطر إسلامي» على إسرائيل ضخّمه نتانياهو لكسب الانتخابات، و «خطر نووي» إيراني كان له المقعد الأول في الصراع مع «المعسكر الصهيوني» على كسب عقول الناخبين الإسرائيليين، حقق رئيس الوزراء الفوز- المفاجأة، رغم أنه لم يسجّل أي إنجاز سياسي في الداخل، ولا على مسار التفاوض مع السلطة الفلسطينية.
في خطابه أمام الكونغرس، غامر «بيبي» بمزيد من التأزم مع أوباما، لكن رهانه كان على الانتخابات واستنفار مشاعر الخوف لدى الإسرائيليين ليس من «حماس» المحاصرة في قطاع غزة، بل ممن يمدّدون لهيب الحريق في العراق وسورية.
حُسِمَت معركة الانتخابات الإسرائيلية بفوز «المشاغب» الذي أزعج أوباما بتحذيراته من الطموحات الإيرانية. يبقى حسم الملف النووي الذي يبدو نتانياهو واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في موقع القوة لتجديد الشغب في ملعب الرئيس المتردّد الذي رغم كل الضجيج وتأففه من «دروس» بيبي، رفعت إدارته التعاون العسكري والأمني مع الدولة العبرية إلى سقف يعتبر سابقة… ورغم كل الوعود، لا مبالغة في القول إن الرئيس الأميركي ساهم في تحجيم مشروع الدولة الفلسطينية.
الورقة اللاافتراضية الحاسمة مجدداً، هي أي شرق أوسط سينشأ إذا أُبرِم اتفاق نووي مع إيران، وبات المرشد خامنئي في مرتبة الحليف لأوباما، كحال إسرائيل؟… فوز نتانياهو ألن يشجّعه على حرب جديدة، بدل التفرُّج على «الإمبراطورية» الإيرانية تتضخّم، فيما واشنطن وحلفاؤها في الغرب لا يملكون زمام المبادرة لفرض نهاية للحرب في سورية، ولا القدرة على حسم سريع يُلحق هزيمة بـ «داعش»؟
تعلمت إيران درساً من حرب السنوات الثماني مع العراق (1980 – 1988)، أبرز عناوينه أن حروبها اليوم يخوضها بالوكالة حلفاء «وطنيون»… ودائماً في ملعب العرب. وبعيداً من نظريات الثأر من «الكأس المُرّة» التي تجرّعها الخميني، أو لا واقعية افتراض احتمال أن يبادر نتانياهو إلى إشعال حرب مع «الإمبراطورية» إذا انتزعت «تنازلات» أميركية في الملف النووي… الحال أن العرب، تحت ضربات التمدد الإيراني، والحريق السوري- العراقي، وهاجس التواطؤ الأميركي على مصالحهم، باتوا تائهين في صراعات غيرهم لاقتسام النفوذ، كلما لاحت فرصة لتفكيك بلد آخر، يتهاوى، على طريق سورية وليبيا واليمن، أو يخدع ذاته- كالعراق- بأن إيران لا تريد سوى إنقاذه. أما شهيتها فاتهامات مغرضة.