Site icon IMLebanon

«داعش» وأفضل الأعداء

يحظى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بأفضل الأعداء. وحيد، ضد العالم كله، ويتفوق عليه. منتشر في القارات. عمليات مرعبة وظله في كل مكان. يستحوذ على ذخيرة دينية بعقيدة من رصاص. يغرف من العالم، جيلاً تدرب على الرق الإلهي ووهم الخلاص. المجتمعات العربية والغربية توفر له عديداً بصلابة الحقد. جيل منجذب إلى العنف بأصالة الآية الآمرة وفذلكة الفتوى الخلاصية. يتطلع إلى عالم بلا حدود، وشعوب تعاد صياغتها على قياس الماضي الديني الأول وتقاليد السلف السحرية وقدسية السند المبتوت. يتبوأ عصراً جديداً وتاريخاً جديداً، بدأ به ومعه، ويقود المعركة المديدة والفاصلة، بين الإيمان في صيغته الحرفية الأمية، وبين الكفر بتجلياته «الخيانية» وعقوبة القتل المناسبة… لم تعرف البشرية، منذ إعلان إنسانيتها، فكراً وروحاً وضميراً وحقوقاً وحرية وحضارة، عاصفة اجتياحية مدمرة كـ «داعش». يبتكر كل يوم خراباً شاسعاً وقتلاً شنيعاً أسطورياً. كأن هتلر قد مرّ من هنا مراراً، تاركاً بعده وراثة الدم والانتقام.

يحدث ذلك ويظل يحدث. لم يتوقف تمدد «داعش». أحلاف تضم عشرات الدول من أصقاع الدنيا، و«داعش» لا يتقلَّص. من حظ «داعش» أن هؤلاء أعداؤه. ولا واحد منهم، برغم قوته الهائلة، وضع حاجزاً للتنظيم، في أي مكان… العراق، ومعه حلفاء، من ألد الأعداء، ومن أسوأ الحلفاء، يستعد منذ عام ونيف لاستعادة الموصل. عبث. المعركة تؤجل بسبب خلافات الحلفاء وعداواتهم. الخلافات أولاً، و«داعش» في ما بعد. العراق، لم يستعد الفلوجة بعد. ما استرده من الأنبار، دفع ثمنه في بابل. «داعش» يضرب مرة تلو مرة مدينة الحلَّة. الأرض هناك من ركام وأشلاء. أفظع تفجير حدث قبل أيام، أعقبه تهديد: «المعركة بدأت للتو… والآتي أدهى».

هل سمع العالم؟ هل أنصت «الحلفاء»؟ أسوأ الحلفاء على الإطلاق.

يكذب المبعوث الأميركي بريت ماكفورك: «داعش يخسر معاركه». الصح، «داعش» يحشد قواته لمهاجمة القامشلي في سوريا. قبل أيام هاجم تل أبيض. «داعش» في سوريا دولة. وفي العراق دولة. معتصم في الرقة بخسائر قليلة، مقيم في الموصل بتواصل قائم بين الإمارات والأقاليم. يمارس العقيدة الإسلامية، حرباً ومالاً وتدريساً وقتلاً. الحرب على «داعش» في سوريا والعراق، بقيادة التحالفين الدوليين والإقليميين والعربيين، لم تسفر عن تحجيم «الدولة الإسلامية». ما تخسره «الدولة» في موقعة تعوِّضه في مقتلة مناسبة. الجيش العراقي يتمرن. ويستعد ولا يزال عند هذه العتبة. يتمرن ثم يهجم ثم «لا حول ولا قوة»… الحشد الشعبي «الهائل» قوة واعدة ممنوعة من التوغل في «الأقاليم والمحافظات السنية». قتال الحلفاء لـ «داعش» مجرد مناوشات برية، باستثناء ما تتعرض له من قتال جدي على الجبهات الكردية.. القصف الجوي عقيم. التجربة السوفياتية في أفغانستان نموذج عن فشل القتال بالطائرات. الهجوم البري على «داعش» معطوب ودائم التأجيل. بالفعل، أعداء «داعش»، هم أسوأ الحلفاء وأسوأ الأعداء.

«داعش» يتمدد وينتشر: يملك في سيناء خلايا ضاربة في بيئة حاضنة. من هناك يعبث بالعاصمة تفجيراً واغتيالاً. لا ينفع النظام في مصر تحميل «حماس» المسؤولية. هي ليست في هذا الوارد. يكفيها الحصار عقاباً على ما لم ترتكبه.

تخشى أوروبا «داعش». صراخها أعلى من صوت طائراتها الوهمية. «داعش» على المقلب الثاني من حدودها البحرية. ليبيا مسرح لعمليات اجتياحية: حصار لمدن ومرافق وموانئ وآبار نفط. منها ينطلق إلى تونس، فيدميها، مهدداً الدولة والسلطة والربيع العربي فيها. يدفع تونس للتفكير بكوابيسها وسياحها. هاجس الإمارة قائم الآن وممكن في المستقبل. ماذا ستفعل تونس إذا عاد ستة آلاف «داعشي» من أصل تونسي إليها؟ دفعت الجزائر عشر سنوات، أو عقداً من الظلامية، بعسكريتاريا فاقدة للمشروع والرؤيا والمستقبل.

أوروبا القلعة المحصنة خائفة من «داعش». تقول: «الحرب في سوريا زعزعت الاتحاد، الحرب في ليبيا قد تفرط عقد الوحدة الأوروبية».

كل هذا من «داعش» فقط. بالفعل، حظ «داعش» أنه يواجه أفضل الأعداء.

السعودية تشن حروبها بالجملة ولا تصيب «داعش». قتال يومي في اليمن، ولا تصيب لا «القاعدة» ولا «داعش». هي في الأصل، تصوِّب على الحوثيين وما تبقى من جيش علي عبد الله صالح ومن معه من القبائل. الفريقان يخسران و «داعش» يتمدد. جزء من الساحل اليمني بات شاطئاً لأنشطتها.

لبنان، واقف على التخوم، و «داعش» في المقابل وفي الجهة الأخرى «النصرة». برغم المعارك التي خيضت، لا تزال «داعش» في جبالها، و «النصرة» في مواقعها. التهديد قائم. موضعيته لا تعني نهائيته. قلَّما عرفنا بقتال «الحلفاء» لجبهة النصرة وداعش على التخوم اللبنانية وربما لم يحدث ذلك أبداً.

وصلت مواصيل داعش إلى أفغانستان، كأن «طالبان» لا تكفيها. الرئيس الأفغاني توعد بجعل أفغانستان مقبرة لـ «داعش». من يصدق ذلك؟ أميركا والغرب كله لم يوفر قبراً واحداً لـ «طالبان»، ومن دون القوات الأميركية، تتكرر حكاية نجيب الله ويعلق حيث يلجأ.

«داعش» وحده ضد العالم. والعالم منشغل عنه بحروبه الأخرى. والحلفاء مشغولون إما بحماية نظام أو الانتقام من معارضة، أو لمنع قيام كيان، أو لحصة في حل، أو منعاً لانتصار تيار مذهبي على «عدوّه» المذهبي.

«داعش» مشروع لا تُكتب له الحياة، إلا بمقدار ما يكون، أعداؤه، هم «أفضل الأعداء». سبب انتصارات «داعش» هؤلاء الأعداء حصراً.