إذا تعذّر القضاء على «داعش» في جرود عرسال- القلمون، في المدى المنظور، لظروف عسكرية وغير عسكرية، فمن المؤكد أنّ «داعش» لن تخرج من الجيوب التي تحتلّها في هذه المنطقة، لأنّ العواقب ستكون كبيرة.
يقول خبراء عسكريون إنّ أيّ تلكُؤ أو تأجيل في المواجهة مع «داعش» في المنطقة الجردية سيزيد المعركة صعوبة وأكلافاً. ولذلك، بادر الجيش إلى المعركة الإستباقية، محصَناً بدعمٍ عسكري ولوجستي ومعلوماتي دولي، على أعلى المستويات.
ويقدِّم المحلّلون العسكريون سيناريوهات للتمدُّد على ثلاثة محاور تُخطّط لها «داعش» في لبنان، إذا أُتيح لها التنفيذ، وهي الآتية على التوالي من حيث الأولوية بالنسبة إلى التنظيم:
– المحور الأول: أولوية «داعش» هي الخروج من جيوبها في جرود عرسال وبعلبك- الهرمل، والسيطرة على كامل المنطقة الجردية، وهذا ما يتيح لـ»داعش» ربطها بالقلمون السوري، بحيث يصبح لديها عمق إستراتيجي تستفيد منه في قتالها في لبنان وسوريا.
وتريد «داعش»، في الدرجة الأولى، أن تسيطر على أكبر عدد من المواقع التي يتمركز فيها الجيش حالياً، ثم تنقضُّ على القرى القريبة، والتي تمتاز بحضور مسيحي، كرأس بعلبك والفاكهة والقاع، لتحوِّلها ورقة إبتزاز ثمّ منصة متقدِّمة لمواجهة مناطق «حزب الله». ولا يبدو الخروج من الجيوب إلى الجرود والبلدات مسألة سهلة لـ«داعش» ولا مسموحاً بها. والدليل هو مبادرة الجيش إلى خطوات إستباقية، بدعم دولي واضح.
– المحور الثاني: ترغب «داعش» بفتح خط من جرود عرسال إلى مناطق البقاع الغربي، وصولاً إلى جبل الشيخ، في موازاة سعيها إلى التوسّع داخل سوريا في إتجاه الجنوب. وفي الأسابيع الأخيرة، كان النزاع حامياً في الجنوب السوري بين «داعش» وحليفاتها، والنظام وحلفائه، والجيش السوري الحر، للسيطرة على أوسع بقعة من المنطقة. فالذي يسيطر هناك يكون على تماس مع إسرائيل، ويكون قادراً على إمتلاك أوراق ضغط للسيطرة على الطرق المؤدّية إلى دمشق.
والمواجهة التي تخطط لها «داعش»، بهدف الربط بين المناطق التي تسيطر عليها على ضفتي الحدود في القلمون السوري والبقاع، تقتضي المرور بعقدة المواقع والأنفاق التي تقيمها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة» في قوسايا ومحيطها، والأنفاق التي يستخدمها «حزب الله» ومرابض المدفعية في جنطا. ولذلك، لا يبدو هذا المخطَّط رحلة سهلة لـ»داعش».
– المحور الثالث: تسعى «داعش» إلى ربط المنطقة الجردية في عرسال- بعلبك- الهرمل بالضنية- طرابلس- عكار، وخلق ممرّ آمن يربط القلمون السوري بالبحر المتوسط عند الشاطئ اللبناني، بعدما عجزت عن تحقيق ذلك في سوريا، حيث النظام يسيطر على المنطقة الساحلية تماماً.
فحتى المنفذ الضيّق عند الحدود السورية- التركية على البحر غير مُتاح لدواعٍ تتعلق بسوريا وتركيا على حدٍ سواء. وسيناريو التمدُّد من جرود عرسال إلى الساحل اللبناني سبق لقائد الجيش العماد جان قهوجي أن تحدّث عنه.
وهو كان ممكن التحقُّق لو نجحت «داعش» وأخواتها في السيطرة على طرابلس- الضنية- عكار. لكنّ عدم تجاوب أبناء المنطقة مع الدعوات المتطرّفة ودور الجيش في ضبط الوضع هناك حالا دون تحقيق هذا الهدف. ويبدو مستحيلاً نجاح «داعش» على هذا المحور أيضاً، لأنّ المناطق التي تطمح إلى السيطرة عليها هناك متباعدة وخاضعة لسيطرة الجيش اللبناني بالكامل.
إذاً، ستقف «داعش» عاجزة عن إقتحام المحاور الثلاثة: محور الجرد وبلداته، محور البقاع الغربي جنوباً ومحور الشمال. ولن يُتاح لها أن تُحقّق أيَّ إنتصار في أيٍّ منها. وقد يُتاح لهذا التنظيم أن يتشبّث ببعض الجيوب الجردية، وأن يلعب أوراق إبتزاز كالعسكريين المخطوفين وعمليات التفجير والتوتير في المناطق، لكنّ ذلك لن يتيح له التمدُّد نحو أيِّ منطقة.
وإذا كان ممنوعاً على «داعش» أن تتجاوز الخطوط الحمر في سوريا والعراق، فالأحرى أنّ خطوطها في لبنان مضبوطة أيضاً، والدور المسموح لها محسوب بالزمان والمكان.