لم ينجح أي من أعداء الإسلام، عبر التاريخ، في تشويه الدين الحنيف والإساءة إلى مبادئه وقيمه السامية بقدر ما نجح تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» في حملاته الوحشية عموماً، وفي استهدافه خاصة الأقليات الدينية والعنصرية التي تشكل «خميرة» هذه الأرض العربية وأول من عمّرها وأشاد فيها المداميك الأولى للحضارة الإنسانية.
ها هي جحافل «داعش» تجتاح هذه الأيام مجموعة من القرى والدساكر في منطقة الحسكة السورية المتداخلة مع الأرض العراقية والمتاخمة للحدود التركية، والتي يقطنها مجاميع من المواطنين السوريين من الأشوريين.
ومعروف أن الأشوريين لا يتجاوز عددهم في سوريا الثلاثين ألفاً، وهم يقطنون في قرى الخابور (وهو نهر بمحافظة الحسكة)، الواقعة في محيط تل تمر، وينتشرون في محافظات حلب والحسكة ودمشق وحمص، وهم يرجعون بنسبهم إلى أشور الابن الثاني لسام بن نوح، وهم من المسيحيين الأرثوذكس، ولهم في مناطق سكنهم حوالي ثلاثين كنيسة مسيحية سريانية.. وقد أقدم «الداعشيون» على إحراق بعضها، وأساساً كنيسة قبر الشامية.
إنها مذبحة جديدة ضد أقلية قومية أخرى، بعد الإيزيديين في العراق، والذين «سبى» «الداعشيون» نساءهم، بعد قتل الرجال أو أسرهم، وصاروا يبيعونهن رقيقاً بعد الاستمتاع بهن.
وهذا دليل آخر على أن لا مجال للنقاش مع هذا التنظيم المتوحش الذي لا يقيم وزناً للروح ولا يحترم النفس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق، ولا يعرف من المدنية والحضارة إلا سلاح القتل وإحراق الإنسان حياً، وإن كان أفاد من وسائل التواصل الحديثة لإيصال «رسالته» الوحشية إلى جمهور الناس البسطاء بحيث يدب الرعب في أوصالهم ويعيشون من خوف الموت في موت.
بل إن «الدواعش» لا يناقشون ولا يعتمدون التبشير، مثلاً!! فهم يملكون الحقائق المطلقة ومن أجل فرض مفاهيمهم يلجأون إلى القوة المطلقة.
ثم إنهم يوجهون ضرباتهم القاتلة وينظمون اجتياحات السبي والنهب والمصادرة ضد أضعف الناس في المناطق المعزولة، في دول فقدت سيطرتها على أرضها، سواء كانت جبلية كما في سنجار العراق أم صحراوية كما في الحسكة السورية.
إنهم يحكمون بالإعدام على التاريخ، ويبتدعون جغرافيا جديدة للبلاد ويحاولون إزالة أو تدمير ما تبقى من آثار الحضارة الإنسانية ومن تبقى من سلالات من بناها، ويجهدون في إبادة أهل الأرض الأصليين بوجودهم السابق على الأديان جميعاً… فالأشوريون كما الكلدان أقليات صمدت للزمان وعادياته وتمسكت بأرضها فلم يغادر أبناؤها بلادهم إلا اضطراراً ونتيجة الاضطهاد الذي تعرض له الشعب بمجمله خلال عهود الديكتاتوريات والانقلابات التي تسببت في إضعاف الدولة ولم توفر لمواطنيها الحياة الكريمة… وهكذا غادرت نسبة كبيرة من الأشوريين والكلدان العراق إلى الولايات المتحدة حيث ابتنت مدينة خاصة في ولاية ميتشيغن، غير بعيد عن المدينة الأخرى التي ابتناها المغتربون اللبنانيون في تلك الولاية.
إن تنظيم «داعش» يقدم كل يوم دليلاً إضافياً على عدائه للإسلام والمسلمين، وللعرب كافة وفي مختلف أقطارهم… وهو في هذا المجال كما في وحشيته في حملات غزوه يكاد يتفوق على العدو الإسرائيلي.
للمناسبة: ليس هذا هو وجه التطابق الوحيد بين «داعش» وإسرائيل، فكلاهما يجهد لتدمير مستقبل هذه الأمة، من دون أن نغفل الجهد الممتاز لأنظمة القمع ناهبة الثروات والعاملة على تثبيت حالة التخلف ـــ بالقهر ـــ على العرب في مختلف أقطارهم.