ربيع صعب ينتظر الجيش ولبنان على ما يبدو كلما ذاب الثلج على الجرود المشتركة مع سوريا، شرق البقاع الشمالي. هناك أخبار مقلقة تتجمع عن قرار اتخذه تنظيم “داعش” الإرهابي بالضغط على نقاط حدودية واختراقها لمحاربة “حزب الله” في معاقله على أرض البقاع، رداً على مشاركته في الحرب الدائرة على الأرض السورية إلى جانب النظام.
بين قرار “داعش” وبين تنفيذه يقف ضباط الجيش اللبناني وجنوده، وأهالي قرى وبلدات بعضها ذات غالبية مسيحية مثل رأس بعلبك والقاع والفاكهة، وبالطبع “حزب الله”.
مقلقة أيضاً الأخبار عن تزايد قوة “داعش” وتمدده في منطقة القلمون السورية المحاذية للحدود، على حساب شقيقته في العقيدة “جبهة النصرة” التي تتقلص عددياً وإمكانات وسيطرة على الأرض. يقول لـ”النهار” مصدر عليم بخصوصيات العلاقة بين الجانبين المتحدرين من فكر تنظيم “القاعدة”، إن “جبهة النصرة” تبدي اهتماماً بأحوال النازحين السوريين إلى لبنان، لا سيما عرسال ومنطقتها، وهي أقل ميلاً إلى الاصطدام بالجيش اللبناني. وتفضل الاستمرار في سياسة مهادنته، مرحلياً على الأقل.
“داعش” على النقيض لا يكترث للنازحين السوريين وأوضاعهم إطلاقاً، بل يصنفهم بالخونة لهربهم من المعارك إلى لبنان بدل أن يحملوا السلاح ويقاتلوا مع مسلحي “الدولة الإسلامية”. يقول المصدر إن قادة تنظيم الرايات السود ومقاتلي اللحى الطويلة بالثياب الأفغانية لا يعنيهم سواء بقي مليون ونصف مليون سوري على قيد الحياة في لبنان أم لم يبقَ منهم “مَن يُخبّر” عنهم. تفيد هنا عودة إلى ما أوردته صحيفة “ذا دايلي تلغراف” اللندنية (الاثنين الماضي 18 كانون الثاني في تحقيق من عرسال، لمراسلتها كارول معلوف وروث شيرلوك) عن تضخم أعداد الملتحقين بـ”داعش” في القلمون، آخرهم 700 عنصر أعلنوا ولاءهم للتنظيم المتطرف وانتقلوا إليه من تنظيمات أقل تطرفاً كانوا يقاتلون تحت أعلامها. جرى توزيع هؤلاء، يقول المصدر، في مجموعات صغيرة على الفرق القتالية الأخرى والتي تعد بالآلاف في القلمون، لمنعهم من تكرار ما أقدمت عليه مجموعة كبيرة من “لواء فجر الإسلام” كانت قد بايعت “داعش” ثم تمردت عليه.
هل يفقد لبنان أوراق ضغط على المسلحين الإرهابيين بفعل هذه التحولات؟ “نعم للأسف. كان تفاهم الحد الأدنى ممكناً أكثر مع “النصرة” وقبلها مجموعات “الجيش السوري الحر”. التعامل مع “داعش” أصعب بكثير بفعل راديكاليته”. يضيف المصدر أن “جبهة النصرة” تضعف كل يوم في مقابل صعود قوة “داعش”. صحيح أن ميزان القوى بينهما صار خمسة على واحد، وكثيرين من مسلحي “النصرة” يبيعون أسلحتهم الفردية لتجار في عرسال من أجل تأمين المأكل والضروريات لعائلاتهم.
لكنه يطمئن إلى أن الوضع في عرسال ممسوك بتمركز الجيش في مناطق استراتيجية حولها وعلى التلال التي تكشف الدروب إلى جرودها وما بعدها، وتساعد جداً تجهيزات تقنية زودتها بريطانيا لعسكر لبنان كي يتمكن من القيام بالمهمة في الليل كما النهار. وأهالي عرسال متمسكون بالجيش، يخشون واقع أن أمير داعش في القلمون “أبو الوليد المقدسي” لا يتردد في تكفير أي كان وأي جماعة، وهو انتقل مرة قبل مدة إلى وادي حميد وخطب فيها، ويتردد أنه كفّر “النصرة”، فكيف بأهالي عرسال. بالنسبة إليهم ما باليد حيلة. وما زال المتطرفون يدخلون ويخرجون إلى بلدتهم، وإن من غير أسلحة على دروب كثيرة تخترق مشاع عرسال الممتدة 70 كيلومتراً. تقول المعلومات أيضاً إن المكان الذي تعرض للتفجير في عرسال السبت الماضي وقيل إنه المحكمة الشرعية لتنظيم “داعش” هو في حقيقة الأمر مكتب لـ”جبهة النصرة” يهتم بمشكلات اللاجئين السوريين. الأرجح بحسب التقديرات أن التفجير كان رسالة إنذار إلى “النصرة” فحواها: الوقت يمر، أسرعوا في حسم خياركم.
لكن الموضوع صار أبعد وأخطر من وضع عرسال. إذا لم تصل المعدات الحربية في الوقت المناسب، وتكررت هجمات المسلحين الإرهابيين بوتيرة متصاعدة فسيكون لبنان مضطراً إلى طلب دعم جوي، مقاتلات نفاثة لتقصف قوافل المهاجمين وتحركاتهم. إلى أين يتوجه لطلبها، أإلى الأمم المتحدة بناء على القرار الدولي 1701، أإلى قيادة “التحالف الدولي ضد داعش”، والوجهتان يرفضهما “حزب الله”؟ أم كما يرغب الحزب إلى جيش النظام السوري الذي كانت إحدى طائراته “الميغ” تحلق طوال الوقت الجمعة الماضي، فوق منطقة الاشتباكات في جرود راس بعلبك؟
أياً يكن، وداعاً زمن الأمل في “النأي بالنفس”.