IMLebanon

عيون داعش على ما أمكنها من أرض لبنان

نستطيع الجزم بان العالم كله بات يغلي ويزبد ويرعد على وقع الأحداث الجسام التي فاجأته وطاولته بدءاً من الذهول الشامل الذي خلقته فيه الإندفاعات الداعشية المتفجرة والمستمرة على مدى الساحات العراقية فالسورية وصولاً بها إلى لبنان، الذي تحسبت كثرة من جهاته وفئاته لما طرأ على أرضه من أحداث طاولت عرسال وجرودها، وشكلت لديه أزمة خطيرة عصفت بالإستقرار اللبناني وهددته بأقسى وأصعب النتائج والعواقب، وما زالت قضية خطف الجنود اللبنانيين تفعل فعلها وتتفاقم إلى حدود مقلقة، وها هي الإندفاعات بالإتجاه اللبناني تقوى وتشتد، حيث طاولت جرود بريتال، ولامست منطقة بعلبك بكل ما تزهو به وترمز إليه، وحيث كان الهدف هذه المرة هو حزب الله نفسه، فطاوله الهجوم والسلاح الداعشي على النحو الذي بات فيه مفصلاً في علم الجميع . وبالرغم من الإجماع الذي يسود الساحة اللبنانية بأسرها، على استنكار أي اعتداء تقوم به على الأراضي اللبنانية أية جهة أو فئة غريبة، خاصة إذا كانت من ذلك الصنف التكفيري المتمنطق بمنهج الغصب والفرض والإحتلال والتكفير والتهجير، والتكلم بلغة النحر والذبح والإرهاب والإرعاب بالصوت والصورة، على الرغم مما ذكر كله، فإن ذلك الصوت الذي انطلق من العديد من الأوساط اللبنانية، مستنكراً ورافضا لتدخل الحزب في مجازر الوضع السوري، وتخوفاً من أن ترتد آثاره السلبية إلى هذه الساحة اللبنانية الحافلة بكل أنواع التحديات والتناقضات والخشية من ارتدادات الصراعات المذهبية التي ما فتئت مع الأسف الشديد تقوى وتشتد وتتداخل في مطاحنات مشابهة باتت تحفل بها ساحات المنطقة القريبة والبعيدة، إن ذلك الصوت اللبناني الذي حذّر واستنكر وتخوف من السلبيات والإرتدادات، ها هو يثبت، كما تثبت معه الأيام والتطورات، أنه كان على بعض الحق في تحذيراته وإنذاراته، إلاّ أنه اليوم، وباللغة الواضحة والقاطعة، ها هو يثبت أنه متسلح بكل الحق والرؤية الصائبة، وأن اقواله وتحليلاته وتحذيراته بهذا الخصوص، يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار الكامل، وأن تدفع بالمتورطين على الأرض السورية إلى الخروج من ساحتها الحافلة بشتى أنواع الظلم والقتل والتنكيل . ليسلم اللبنانيون جميعا من هول ما هو حاصل، ومن أهوال ما هو متوقع، ومن المنطق الذي بات يتسرب إلى أوساط هذا البلد المنكوب، والذي بات يتصرف بالقول والفعل: أتيتم لتقاتلونا وتقتلونا على أرض سوريا، ها نحن اليوم ننتقل الى الأرض اللبنانية لمقاتلتكم، والبادي أظلم . وهو قول يستند إلى منطق قاس ومتصلب ومرفوض من قبل اللبنانيين جميعا، وإن هجمة داعش على بعض من لبنان أرضا وشعبا، هو بالنتيجة هجمة على كل الارض اللبنانية وكل الشعب اللبناني، ولكن ما حصل على مجمل الساحات القريبة، من مظالم وتصرفات تعسفية، إرتدت مع الأسف الشديد، طابعا فئويا ومذهبيا دفعت فيه الفئات الاخرى، سواء كانت أغلبية في هذا البلد أو أقلية في بلد سواه، أثمانا غالية من أمنها واستقرارها وحياتها الطبيعية، فعوملت بروح الإنتقام والتعصب والتصلب، الأمر الذي دفع بالكثير من فئاتها وعشائرها، إلى التحول عن مؤازرتها للدولة العراقية التي تركها التفاهم الأميركي – الإيراني تحت سلطة ووصاية حاكم فئوي، تعامل معها تعامل المستبد الظالم، ولم يأخذ مواجهتها ومحاربتها لتنظيم القاعدة والتغلب عليه على الأرض العراقية وطرد هذا التنظيم من مواقع تواجدها، بعين التبصر والإعتبار، وحصل ما حصل لاحقا، بدءا من الموصل ومرورا بقسم كبير من الأرض العراقية، وصولا إلى التمدّد نحو سوريا والتمركز فيها وجعلها «إمتداداً طبيعياً» لما أسمي «بالدولة الإسلامية».

وللمتسائلين عن الوضع السوري، فإننا لا نجد أن هناك حاجة جديدة تشرح الأوضاع في سوريا وتقيّم تصرفات نظامها الذي كانت كل سياسته العقيمة والمتسترة بجلباب عربي مزيف، ترمي إلى التموضع والإختباء وراء من أسماهم منذ بداية الثورة عليه، بالإرهابيين والتكفيريين الذين قاموا «وحدهم» بعمليات القتل والتدمير والتشريد وحمّلهم كل التهم وكل المساوئ وكل نتائج حربه التي شنها على شعبه بشتى أنواع البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية وشتى أنواع الدمار الذي يسرته له القوى الداعمة والحليفة، مخلفا بإنتهاكاته، ما يناهز المائتي ألف شهيد، مع ملحقاتهم من وقائع الخراب والدمار الشامل، والجرائم ضد الإنسانية.

وها هو رأس داعش يطل، على الساحة اللبنانية هذه المرة، بكثير من الجدية والإمكانات والتمكن من الإمساك بخيوط /قتالية متطورة ودهاء سياسي واضح .

وها هو الحلف الدولي يتشكل من العديد من الدول الغربية والعربية والإسلامية، وهو ينمو يوما بعد يوم ويشتد عوده ويقوى تصميمه وتركيزه.

وها هو لبنان مع الأسف، يجافي هذا التحالف ويقترب عمليا من الخطوط المعادية والمناوئة له، ولنا في تصرفات وزير خارجيتنا الجهبز، خير دليل وشاهد.

وها هي الولايات المتحدة، نتيجة لتطورات الأحداث في داخلها وعلى المستوى الدولي، وإن تأثرت كعادتها بالأسلوب الأوبامي المتخلف والمتخوف والمتردد، إلا أنها باتت اليوم على رأس حلف عسكري وسياسي عالمي تقوده بمزيد من التمويه والتستر نتيجة لتطورات الأحداث وخطورتها.

 … كل الدول تقوم بما تفرضه عليها مصالحها، ولولا ما طرأ من مصالح مستجدة للولايات المتحدة لما تخلفت عن نهجها السابق ولاستمرت في سياسة الزعبرة والضحك على الذقون، ولكن ذقنها ورقاب أبنائها باتت اليوم في المدى الذي يرهبها ويدعوها إلى أن تقوم بدرء الأخطار عنها والدفاع عن مصالحها، وإن اقتصر ذلك حتى الآن على غاراتها الجوية، وقد أثبتت تلك الغارات بأنها غير كافية لمجابهة حربية طائلة وقادرة وقاطعة، فبات العالم كله بانتظار الخطوات العملانية المقبلة بما يعطي للحلف الدولي القائم، مزيداً من الحيوية والفعالية.

قلائل هي الدول التي انكفأت بالكامل عن الإحتشاد الدولي الذي بات مجبرا على أن يحمي مصالحه واستقرار أوضاعه، ومن بين هذه الدول القليلة … لبنان الذي لا يجابه الأوضاع بالحركة والتوثب والإستعداد لتوقعات الأيام العجاف المقبلة، بل يصر على أن يبقى مقطوع الرأس في رئاسة جمهوريته، مقطوع الأطراف في حركة حكومته، مشلول الفكر والعمل في مجلس نوابه، غارقا في لجة الإنتماءات الطائفية والمذهبية، متناحرا ما بين فئاته وأحزابه وزعاماته على مصالح ومنافع محلية باتت مهددة لوجودنا الوطني بالزوال، كون الدولة اللبنانية باتت في طليعة من باتوا مهددين بشتى أنواع المهالك والمخاطر.