IMLebanon

«داعش يتبدّد» في عين العرب: انتهى زمن الصعود؟

في اليوم الذي أعلنت فيه القوات العراقية تحرير كامل محافظة ديالى من تنظيم «داعش»، أُعلن طردُ مسحلي التنظيم من مدينة عين العرب السورية (كوباني) المحاذية للحدود التركية. نتيجة القتال الطويل كانت محسومة سلفاً. فالمقاتلون الأكراد خاضوا معركة وجود في تلك البقعة السورية، وكانوا ينسقون مع أقوى أسلحة الجو في العالم، وأكثرها قدرة على استخدام النيران والتدمير. ورغم ذلك، خاض «داعش» المعركة التي انتهت إلى النتيجة ذاتها التي تحققت عقب عدد من المعارك في العراق (من محيط بغداد إلى جرف الصخر وصولاً إلى ديالى)، ومعارك الجيش السوري في دير الزور وحقل شاعر النفطي: تنظيم «داعش» ليس قوة لا تقهر، وبالإمكان مواجهته ووقف تمدده وهزيمته. صحيح أن التنظيم لم يفقد زخمه بعد، ولا خسر حاضنته الشعبية، لكن أعداءه باتوا قادرين على احتوائه، رغم قدرته على مفاجأتهم. بعد هذه الخسائر والانتكاسات، بات من الممكن القول إن زمن صعود «داعش» قد انتهى، لكن معركة تدميره لا تبدو قصيرة، وقد بدأت للتو

وفي اليوم الثالث والثلاثين بعد المئة عادت عين العرب (كوباني) إلى سيطرة أبنائها بالكامل. الهزيمة التي مُني بها تنظيم «الدولة الإسلامية» ليست الأولى على الأراضي السوريّة، لكنّها الأبرز في هذا السياق حتى الآن. فرغم أن فشل اقتحامات التنظيم قد تكرّر في الآونة الأخيرة (في دير الزور، وشاعر) غير أن التحوّلات التي مرّت بها معركة عين العرب تجعلها مرشّحة بقوّة لتتحوّل إلى نقطة فاصلة بين حقبتين، بفعل رمزيّة استحقّتها، ولا سيّما في ظل تضافر العوامل التي قد تجعلُ «ما بعد كوباني» مختلفاً تماماً عمّا قبلها، الأمر الذي سيتحوّل على الأرجح إلى حافز لسعي كثير من الجهات إلى مصادرة انتصار عين العرب، وادّعاء الفضل الأساسي فيه.

من هذا المنطلق يُمكن تفسير الموقف الذي صدر عن وزارة الدفاع الأميركية أمس، حيث نقلت تقارير إعلامية متطابقة عن المتحدث باسم البنتاغون قوله: «لست مستعداً للقول إن النصر تحقق في المعركة». الكولونيل ستيف وارن حرص على تأكيد أن «المعركة مستمرة. لكن اعتباراً من الآن، أعتقد أن القوات الصديقة لديها قوة الدفع»، الأمر الذي يعكس حرص الولايات المتحدة، وما تمثله بوصفها «رأس التحالف الدولي» على «حقّها» في إعلان الانتصار. وإذا كانت الغارات التي شنّها «التحالف» قد أدّت دوراً في الحدّ من تحرّكات مقاتلي «داعش»، فالثابت أن هزيمة التنظيم ما كانت لتتحقق لولا عناد المقاتلين الأكراد، وإصرارهم على قلبِ الموازين بعد أن كادت المدينة تنضمّ إلى مناطق سلطة «داعش» في أوج «تمدّده». وفي تصريح لمراسل «الأخبار» أيهم مرعي، أكد الناطق باسم «وحدات حماية الشعب» بولات جان أنّ «مدينة كوباني باتت محررة، وهي بالكامل تحت سيطرة وحدات حماية الشعب». وأوضح أن «المعارك تتركز الآن في قرى حلنج وتل حاجب وكازكا». بدوره، رئيس هيئة الدفاع في «المجلس التنفيذي لمقاطعة كوباني» عصمت الشيخ حسن، أكّد للمراسل أن «داعش لم ينسحب من كوباني، بل أُجبر على التراجع نتيجة الضربات القوية التي تلقّاها». وبيّن شيخ حسن «أن معارك الريف بدأت، القوات الكردية ستطرد داعش من 360 قرية يسيطر عليها الآن كما طردته من المدينة». المصدر أوضح أن «التنسيق على الأرض مع قوات التحالف كان له دور كبير في الحدّ من قوة داعش وتحقيق النصر، على الرغم من المنعكسات السلبية للقصف الذي خلف دماراً كبيراً». وفي تصريح مماثل أشاد الناطق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي نواف خليل بـ«دور قوات البشمركة وطيران التحالف في تحرير مدينة كوباني»، مؤكداً في الوقت نفسه أنّ «الفضل الأكبر هو للقوى الاستراتيجية المتمثلة بوحدات حماية الشعب والمرأة في تحرير المدينة».

«داعشيون»

يُقرّون بالهزيمة، وآخرون يتحدثون عن «انسحاب محسوب»

على المقلب الآخر، عكست كواليس «داعش» حالةً من الفوضى، والتضارب. وراوحت المواقف ما بين الإقرار بالهزيمة والتوعّد بالثأر، وما بين محاولة الإيحاء بأن مقاتلي التنظيم نفّذوا «انسحاباً محسوباً»، وبين إنكار وقوع الهزيمة. مصدرٌ سوريٌّ مرتبط بالتنظيم قال لـ«الأخبار» إنّ «مجاهدي دولة الخلافة هم الكُرّار دائماً، وما كانوا أبداً فُرّاراً». المصدر أكّد أنّ «كلّ المعارك تنطوي على ما يسمّيه البعض انسحاباً تكتيكيّاً، ونُسمّيه انحيازاً من بعض الجبهات. لكنّ حدوثه لا يعني انتهاء المعارك». وقال المصدر إنّ «أقوى سلاحٍ يتمسّك به المجاهدون هو الإيمان والصّبر، ثمّ لا يلبث الله أنّ يمنّ عليهم»، وذكّر في هذا السياق بـ«الهجمات التي سبق أن شنّها الصحوجيّون على الدولة في ولاية حلب (قبل عامين)، قبل أن تعود الأمور إلى نصابها، وتتالى الفتوحات وصولاً إلى إعلان الخلافة». بدوره، مقاتل شيشانيّ من التنظيم اكتفى بالقول إنّ «الحمد لله على كل حال. نحنُ قوم خرجنا ابتغاء الشهادة، ومثلُنا لا يخذله الله». المصدر أكد لـ«الأخبار» أنّه «حتى وقت قريب كنت أقاتل الملاحدة مع إخوة لي، بعضهم استشهد، وكنتُ ممّن امتحنهم الله بإصابات. لكننا لن نلبث أن نشفى ونعود لإعلاء راية الخلافة في عين الإسلام (عين العرب) بإذن الله». مواقفُ مشابهة انتشرت على صفحات موالية للتنظيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ذهب بعضها إلى اعتبار «عين الإسلام هي مؤتة الشام»، حيث كانت «مؤتة من أعظم معارك الأمة، وتجلّت فيها معاني الصبر والتضحية». ورأى البعض أنّ «معارك عين الإسلام أدّت الغرض منها، وهو تحويل التحالف الصليبي من الهجوم البحت إلى وضعية الدفاع عن جيوب حلفائه»، فيما انصرف آخرون إلى التّغني بالكلمة المسجّلة التي بُثّت أمس للمتحدث الرسمي باسم «داعش» أبو محمّد العدناني.

العدناني: «الدولة امتدّت إلى خراسان»

من جهة أخرى، نُشرت أمس كلمة صوتية مسجلة للمتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني. الكلمة خلت من أي ذكر لمعارك عين العرب، ما يُرجّح أنّها سُجلت في وقت سابق وأن القرار اتّخذ بنشرها أمس في خطوة تهدف إلى التخفيف من وطأة الهزيمة. العدناني، بدا وكأنه يحلّق في كوكب آخر. فجاءت كلمته حماسيّة و«بشّرت» بـ«امتداد الدولة الإسلامية إلى خراسان»، رغم «استعار الحملة الصليبية، وتكالب القاصي والداني على الدولة الإسلامية وحرب البعيد والقريب لها». وأعلن المتحدث أن «المجاهدين من جنود الخلافة استكملوا الشروط، وحققوا المطالب لإعلان ولاية خراسان، فأعلنوا بيعتهم لأمير المؤمنين حفظه الله الخليفة إبراهيم، وقد قبلها». وأعلن أيضاً تعيين حافظ سعيد خان «والياً»، وعبد الرؤوف خادم أبا طلحة «نائباً له». وكرّر المتحدث الخطاب الذي دأب التنظيم على تبنّيه منذ إعلان «التحالف الدولي»، مؤكّداً أن الأخير سيضطر إلى إرسال قوّات برّية. وقال: «ما زال كلبكم أوباما من جبنه وخوره يحذر من الانجرار لحرب برية. (…) ويؤكد دور حكام العرب المرتدين وجيوشهم، ولن يفيدكم كل هذا وسنراكم على الأرض وسنلقاكم في البر ولنهزمنكم ولنغزونكم». ودعا العدناني مقاتلي التنظيم إلى الاستعداد، إذ «يوشك أن يحمى الوطيس». وأشاد المتحدث بالهجمات التي شُنّت في كندا، وفرنسا، وأوستراليا وبلجيكا. وأكّد «فرح الموحدين بهلاك طاغية الجزيرة خائن الحرمين»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «هلاكه لا يعني شيئا فقد هلك طاغوت وحلّ مكانه طاغوت، وكلاهما دمى. (…) فإن الحكام الحقيقيين لبلاد الحرمين هم اليهود والصليبيون».

محطات رئيسية في المعركة

16 أيلول: «داعش» يشنّ هجوماً في ضواحي مدينة عين العرب.

19 أيلول: المسلحون يحققون تقدماً كبيراً، ويسيطرون خلال يومين على نحو 60 قرية في محيط المدينة.

23 أيلول: قوات «التحالف» تغير للمرة الأولى على مواقع «داعش» في سوريا.

6 تشرين الأول: المسلحون يدخلون عين العرب من الشرق.

10 تشرين الأول: المسلحون يسيطرون على «المربع الأمني» في المدينة.

20 تشرين الأول: الولايات المتحدة تلقي للمرة الأولى أسلحة وذخائر للمقاتلين الأكراد.

31 تشرين الأول: نحو 150 من عناصر البشمركة القادمين من كردستان العراق يدخلون عين العرب.

19 كانون الثاني: المقاتلون الأكراد يستعيدون السيطرة على هضبة مشتة نور عند طرف المدينة، التي صار بإمكانهم من خلالها السيطرة على المدينة بالنار.

26 كانون الثاني: إعلان السيطرة على المدينة سيطرةً شبه كاملة، واستمرار «تنظيف بعض الجيوب».

50 سيارة مفخخة و1700 قتيل؟

أيهم مرعي

انتصارات «وحدات حماية الشعب» الكردية لم تقتصر على مدينة عين العرب، بل تعدّتها إلى ريفها. الوحدات سيطرت تباعاً على قرى ماميد وكولمت وكيكان وترميك في الريفين الشرقي والجنوبي للمدينة، تمهيداً لتوسيع المعارك في بقية الأرياف. في موازاة ذلك، أكّدت مصادر أهلية لـ«الأخبار» أن «الدمار قد لحق بأكثر من ثلثي مدينة كوباني، وبنسب متفاوتة». ففضلاً عن العدد الهائل من الغارات التي شنتها طائرات التحالف، أكّد رئيس هيئة الدفاع في «المجلس التنفيذي لمقاطعة كوباني» عصمت الشيخ لـ«الأخبار» أن «أكثر من 50 سيارة مفخخة انفجرت في المدينة خلال فترة الاشتباكات، فضلاً عن الانتحاريين والدراجات النارية، بالإضافة إلى تفخيخ إرهابيي داعش للأبنية قبل انسحابهم منها واستخدامهم الكثيف للمدافع والهاونات». وعلمت «الأخبار» أن «رئاسة المجلس التنفيذي لمقاطعة كوباني» قد بدأت تشكيل لجان متخصصة لتقدير الأضرار وإعادة إعمار المدينة. ورغم صعوبة تحديد عدد قتلى «داعش» الذي لا يُعلن أسماء قتلاه، باستثناء قادته وبعض انتحارييه، نشر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس بياناً أعلن فيه أن معارك كوباني أدت إلى مقتل 1737 شخصاً، بينهم 1196 مقاتلاً من «داعش».