بات مؤكداً أنّ «داعش» و«النصرة» والتنظيمات الرديفة لن تقفل جبهة الهرمل – القلمون، بل هي تستعدّ لفتح جبهة أخرى في العرقوب. ويخشى محلِّلون من مخطط لإغراق «حزب الله» على أرضه، بهدف إضعاف دوره في الحرب السورية… حتى ولو إقتضى ذلك تفجير لبنان.
ليس واضحاً كيف اندلعت معركة عرسال الأخيرة. هل جاءت بمبادرة من «داعش» و«النصرة»، في محاولة لتعطيل دور الجيش في المنطقة بحيث يتمكّن التنظيمان من الإستفراد بها وبأهلها.
وهكذا تتحوَّل المنطقة، وقد باتت غالبية سكانها من السوريين، قاعدةً جهادية قوية ومفتوحةً في شكل آمن على القلمون؟ أم إنها بمثابة ضربة إستباقية نفَّذها الجيش، ويؤيِّدها «حزب الله»؟
المعلومات في هذا الشأن متناقضة. لكن المؤكد هو أنّ «داعش» و«النصرة» تعملان على بناء قواعد لهما في مناطق عدة من لبنان، في سياق مخطط لإثبات الحضور، وللردّ على «حزب الله» في عقر داره. والأحرى أنّ التنظيمين يريدان إشغال «الحزب» في مستنقع لبناني مُتعِب ودموي، بحيث يصبح في حاجة إلى تلقّي الدعم، بدلاً من تصدير فائض قوته اللبنانية إلى سوريا.
ويقول خبراء: لذلك، خطف التنظيمان جنوداً بهدف فتح باب المساومات مع السلطة الرسمية، المعروفة علاقاتُها الطيِّبة مع النظام السوري وتغطيتُها لـ«حزب الله» في دخوله إلى سوريا.
والمشكلة مع «داعش» و«النصرة» هي أنهما قد تُطلقان العسكريين مقابل ثمنٍ ما، لكنهما قادرتان في أيّ لحظة على تنفيذ عمليات خطف جديدة والمطالبة بدفع أثمان جديدة. فلبنان ليس محصّناً، لا أمنياً ولا إجتماعياً، لمواجهة هذا النوع من النشاط الشبيه بالعمل «المافيوي».
لكنّ الإستهداف «الداعشي- النصراوي» المباشر مقصود به «حزب الله» في الدرجة الأولى. فالتنظيمان يتعاطيان مع الجيش بصفته وكيلاً، وفي أفضل الحالات حليفاً، لـ»الحزب».
في البداية، إستهدفا الضاحية بعبوات تحذيرية، لكنّ «الحزب» لم يتراجع. ثم رفعا السقف إلى عمليات إنتحارية في الضاحية وبعلبك – الهرمل فلم يتراجع «الحزب» أيضاً. ومع عرسال، إزداد إصرار «الحزب» على التمسُّك بمشروعية إنخراطه في سوريا. وعندئذٍ، فتَحَ التنظيمان جبهة مباشرة في بريتال. وهناك ملامح «شيءٍ ما» يُحضّر في العرقوب، وتؤكده إستعداداتٌ غير مسبوقة للتنظيمات و»الحزب» هناك، على حدّ سواء.
هذا يعني أنّ «داعش» و»النصرة» ستضغطان على «الحزب» مباشرة، ومن خلال الجيش، حيث تستطيعان على إمتداد الحدود اللبنانية – السورية، من الهرمل إلى شبعا. ومع إقتراب موسم الثلوج، سيستعجل التنظيمان معركتهما في جرود الهرمل، إستباقاً للعوائق الطبيعية المتوقَّعة. فالشتاء الفائت كان إستثنائياً جداً، وغابت ثلوجُه بنحوٍ شبه كامل. لكنّ الشتاء الآتي قد يقطع شرايين العبور في جرود الهرمل والقلمون لأشهر عدة.
وسيكون كارثياً أن تُصرَّ «داعش» و«النُصرة» على مواجهة الدولة اللبنانية و«حزب الله»، بإستخدام كل الوسائل المتاحة. فذلك يعني أولاً إحتمال لجوئهما إلى المخطَّط الذي حذّر منه قائد الجيش العماد جان قهوجي، أيْ التمدُّد إلى عكار والسيطرة على منفذ بحري في لبنان الشمالي. وفي الدرجة الثانية، قد يعني ذلك إيقاظ خلايا نائمة، لتنفّذ عمليات إرهابية جديدة.
ومن شأن السهر على الأمن، الذي يشغل الجيش والأجهزة الأمنية، أن يعطِّل جزءاً كبيراً من مخطط الإرهابيين. لكنّ أيّ جيش أو جهاز أمني، في أكثر دول العالم مناعةً وقوة، لا يضمن الأمن بنحوٍ واثقٍ وتامّ، وعلى الرقعة الجغرافية بكاملها.
وهكذا، سيكون مرتفِعاً مستوى الخوف على لبنان في المرحلة المقبلة، لأنّ الجيش والقوى الأمنية و»حزب الله» وسائر المعنيين سيكونون أمام تحدٍّ حيوي، بل مصيري. وستكون هناك مواجهة بين مخطَّطَيْن إثنين للسيطرة، ولا مهادنة بينهما. وسيكون على المؤمنين بـ»قَدَرِية» الإطمئنان إلى المظلّة الدولية – الإقليمية الدائمة في تأمين صون للبنان، أن يتأمَّلوا جيِّداً في ما يقدِّمه الأميركيون وشركاؤهم للأكراد المنكوبين في عين العرب (كوباني)… وعلى عين العرب!