Site icon IMLebanon

داعش Holding

في الثامن عشر من أيار المنصرم قُبيل دخول الشغور الرئاسي سنته الثالثة، وفي معرض التحفيز للذهاب إلى مجلس النواب وإنجاز انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حذّرت المنسّقة الخاصة للأمم المتّحدة في لبنان سيغريد كاغ من أنّ لبنان يعاني «مزيجاً ساماً من التّحديات» ينبغي عدم الإستخفاف بها لا سيما في ظل أنباء تفترض وجود 900 لبناني ممن انضموا إلى الجهاد العالمي.

قالت كاغ ليست لدينا معلومات واضحة. وأضافت أنّ هناك ثلاثة عوامل مثيرة للقلق، الجماعات المتطرفة التي تنتشر وتعمل وفقاً لنموذج الخلايا النائمة، ولا أعتقد أنّ لدى لبنان حصانة من ذلك. هشاشة الوضع في لبنان بسبب قربه من سوريا وتسيب الوضع على حدوده على رغم التقدّم الكبير المحقق على صعيد إدارة الحدود وبناء قدرات القوات المسلّحة اللبنانية وحقيقة أنّ هناك حرباً رهيبة قرب العتبة.

ما يجري ميدانياً ليس تطوراً، بل تبدّل غير قياسي في كافة المسارح. في سوريا، قوات سوريا الديمقراطية، بدلالتها الكردية لجهة التكوين والأميركية لجهة الرعاية والتسليح، تنشّط وتحقّق تقدّماً في الشمال والشمال الشرقي لتصل إلى منبج وتقطع طريق الرقة. يتزامن ذلك مع تقدّم لقوات النظام نحو الرقة المعقل الرئيسي لداعش وهجوم آخر لهذه القوات في جنوب حلب يترافق مع تصريح لوزير الخارجية الروسي بأنّ روسيا لن تدع الجيش السوري يخسر معركة حلب.

على المقلب العراقي، هجوم بغطاء جوي أميركي لتنظيف الفلوجة من داعش، يتوقف بشكل مفاجيء بسبب خلافات أميركية ــــــ إيرانية على خلفية إصرار الحشد الشعبي على دخول المدينة، لتترك بعدها وحدات عسكرية عراقية الفلوجة وتتجه إلى محافظة نينوى لتحريرها. «جيش سوريا الجديد» الذي أفصحت عنه صحيفة «غارديان» البريطانية، وهو فصيل من الجيش الحر، أعادت القوات البريطانية تشكيله وتدريبه، بعدما تعذّر على رئيس الوزراء البريطاني إقناع البرلمان بتوجيه ضربات في سوريا ضد نظام الأسد، يسعى إلى قطع خطوط الإمداد بين سوريا والعراق. وفي ليبيا جبهة بحرية جديدة تنشط ضد داعش عبر مدينة سرت.

وبالمقابل تنشط الخلايا النائمة لداعش، في لبنان تلقي الأجهزة الأمنية القبض على خلايا إرهابية في خربة داوود في شمال لبنان وفي مدينتي عرمون وعاليه، في الوقت الذي تؤكّد هذه الأجهزة عدم وجود أي اتّصال عضوي بين هذه الخلايا. وفي الأردن تنجح مجموعة إرهابية في مهاجمة مركز للمخابرات الأردنية موقّعة فيه عدداً من الإصابات، ويتزامن ذلك مع إلقاء أوكرانيا القبض على إرهابي يحمل الجنسية الفرنسية وبحوزته كمية من المتفجرات والأسلحة، كانت موجّهة لتنفيذ خمسة عشر هجوماً خلال مباريات كأس اوروبا 2016.

 بعد سنوات من «الإنجازات الميدانية المبهرة» للتنظيم، هل هناك دور جديد لداعش مع تعديل الجبهات والإنتشار الميداني؟ ما هي موجبات إطلاقه؟ ومتى سيتم ذلك؟

داعش هي النموذج المستحدث لــ«منظمة قابضة» Holding Organization نشطت في سوريا والعراق، على مساحة 200 الف كلم² تقريباً، وأدّت مهام مختلفة على امتداد مناطق عملياتها. داعش في سوريا تقاتل الكرد في الشمال، وتحلّ سلمياً محل النظام في مدينة تدمر لتعيدها إليه سلمياً بعد سنتين على أنغام سمفونية روسية، وتقاتل جبهة النصرة في القلمون. وفي العراق، تجتاح المحافظات السنيّة من الموصل إلى الأنبار- من ضمن عملية تبادل أدوار مع وحدات الجيش العراقي الذي يَخلي مناطق انتشاره دون مقاومة- وتمهدّ الطريق لدخول قوات الحشد الشعبي. داعش لم تكن يوماً إلا رديفاً لقوات النظام في سوريا، وفي العراق لم تكن إلا محفزاً للحشد الشعبي لاستباحة المحافظات تحت عنوان قتال الإرهاب.

وإذا أخدنا بعين الإعتبار تفجير المساجد الشيعية في الكويت والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى القيام بهجمات إرهابية على وحدات الجيش المصري في سيناء، والتي تبنتها جميعها داعش، تتبيّن نقاط التقاطع بين كل الأعمال المنفذّة والأهداف المنوي تحقيقها، وتأتي في مقدّمتها زعزعة الإستقرار في دول الخليج ومصر، وفي العراق تهجير المسيحيين والأزيديين، واجتياح المحافظات وإفراغها من أهلها وتكريس واقع تعسفي بحق السكان الأصليين. داعش في المجال الأوروبي نفذّت هجمات باريس وبروكسل ووأدت كلّ منحى غربي للنظر بعدالة إلى ديمقراطية الحراك في المجتمعات العربية والرضوخ لثنائية النظام الديكتاتوري أو الإرهاب.

داعش أُنتجت لتستجيب لتقاطع المصالح الدوليّة الإقليمية، وهي مرشّحة لأدوار لن تخرج عن هذا السياق. إنّ تحقيق التسويات في الميدانين السوري والعراقي أو عدمها في هو إشارة الإنطلاق نحو ميدان أو أكثر لتوسيع رقعة الصراع. داعش كمنظمة قابضة هي الأداة التنفيذية لكل الفاعلين، إقليميين ودوليين فهل يكون نموذج بروكسل هو النموذج المعتمد لشن هجمات جديدة في مدن عربية واوربية؟

*مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات