صعود “داعش” كان الحدث الأبرز لهذا العام على المستوى الدولي والإقليمي. فمن سقوط الموصل الى خروج رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى تشكيل تحالف دولي وجه حتى اليوم أكثر من 1200 ضربة جوية في العراق وسورية، تحول التنظيم الى التهديد الأكبر لأمن المنطقة في رأي المسؤولين الأميركيين، وبقدرة قتالية وعسكرية وعددية تفوق تنظيم “القاعدة”.
2014 كان عام “انتصارات داعش” بدمويتها ووحشيتها، من الرقة الى الموصل حيث أعدم رهائن وارتكب مجازر بحق مدنيين وسبى نساء وقضى على مستقبل أطفال، لبسط سلطته على أكبر كم ممكن من الاراضي والاستيلاء على مصافي النفط. فعل ذلك مستفيدا من تهميش حكم المالكي للسنة والأكراد في العراق، وغض نظام الأسد النظر عنه وأحيانا التواطؤ غير المباشر معه بضرب المعارضة السورية. انجازات “داعش” كانت خاطفة في سرعتها ومرعبة في أساليبها، غير أن معظم المؤشرات بعد أربعة أشهر من الضربات والتحولات في الساحة العراقية تعكس هشاشة مكاسبه وصعوبة الحفاظ عليها في العام المقبل، وتطرح فرضية إمكان هروبه في اتجاه سورية، الملاذ العسكري والسياسي الأكثر أمانا له.
مؤشرات التراجع بدت في خطاب “داعش” نهاية العام، وتحويله النظر عن خسائره في العراق وفي صفوف قياداته بالحديث عن اصدار عملة ذهبية، بينما هو عاجز عن ضمان أقل متطلبات الحياة في مناطق سيطرته. وتكشف صحيفة “واشنطن بوست” ان شح مياه الشرب وتعطل الصرف الصحي وتعطيل المنهج الدراسي تطبع مناطق التنظيم.
وتشير الصحيفة الى أزمة يعانيها التنظيم في حكم الرقة والموصل بعد تدمير الضربات الجوية عددا من مصافيه، واغتيال عدد من قيادييه، كان آخرهم “حاكم” الموصل حسن الجبوري، وتذمر الأهالي من قلة الموارد. فتعطيل المدارس والجامعات، واثارة الذعر في نفوس السكان بالاعدامات، لا يعبر عن دولة واثقة في حكمها او سلطتها.
وتتحدث “فايننشال تايمز” عن صعوبات تواجه مقاتلي “داعش” الأجانب في تحصيل رقائق البطاطا “برينغلز” ومشروب “ردبول” التي يحلو لهم تناولها أكثر من الأكل السوري والعراقي التقليدي.
دولة “داعش” الفضفاضة هي أقرب الى دولة على “يوتيوب”، وتصطدم على أرض الواقع بنفايات مكدسة تنتظر من يجمعها وأمراض بحاجة الى من يعالجها. فأي دولة ترهن قوت أهاليها بسوق سوداء يعتمد على بيع النفط سراً الى رجال أعمال وأنظمة دول عدوة وصديقة؟
زخم “داعش” الإعلامي ونجاحه منوط بعدد الرؤوس التي يقطعها وإطلاق شعارات وتهديدات في مجلة “دابق” على الانترنت ضد باراك اوباما وديفيد كاميرون من دون ان يسقط ايا من طائراتهم، وفيما العراقيون والسوريون الضحايا على الارض.
سياسيا، يزيد المشهد العراقي من التعقيدات امام “داعش”، مع خسارته عددا من القرى والقيادات، وعمل التحالف والحكومة العراقية على تشكيل قوة “حرس وطني” من القبائل استعدادا لمعركة الحسم في الموصل. رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وبحسب مسؤولين أميركيين يعمل على تصحيح العلاقة مع دول إقليمية بينها تركيا والإمارات والسعودية التي زارها اخيراً.
وبالنظر الى داعش نفسه، فان التحالف الذي يستمد قوته منه قد يتفكك أمام الضغوط العسكرية والخلافات الأيديولوجية. فما الذي يجمع قيادات عسكرية بعثية من عهد صدام حسين بمقاتلين أجانب بعضهم اعتنق الاسلام حديثا ويبحث عن مغامرة استشراقية وقتالية ورومانسية في الشرق.
المؤشر الوحيد الذي يلعب لمصلحة داعش هو تأخر الحل السياسي في سورية وجمود مساعيه هناك بشكل لا ينبئ بمرحلة انتقالية قريبة. وهذا يعزز نظرية انتقال التنظيم الى سورية العام المقبل، مع ازدياد الضربات في العراق، وتأكيد أوباما بشكل صريح بأن الاولوية لبغداد، وأن ادارته لا تسعى حاليا الى حل نهائي لحرب سورية او لزيادة الدور الاميركي هناك.