في التحليل الممانع الراهن عن «سقوط» الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية في يد تنظيم «داعش»، استفاضة في القول إن الأمر كان بتدبير إيراني وبرعاية مباشرة من طهران! وإن الهدف من ذلك (حرفيًّا!) هو الإمساك بتلك المنطقة «المتمرّدة» وتأمين ممر إلى سوريا.. وزيادة الضغوط على السعودية من جهة والأردن من جهة أخرى!
ومجدداً: هذا تحليل يستند الى مصادر ممانعة و»عليمة»، وليس رمية كيد أو نكد من مُعادين متآمرين على ذلك المحور، ويريدون توسيخ سمعته بالإرهاب، وبسعيه الى تركيز نفوذه من خلال الفتن والمصائب!
وما يُعين على تلقّف هذا الضخّ بجدّية، هو الوقائع الميدانية لسقوط الرمادي والتي تعيد التذكير بما حصل في حزيران الماضي في الموصل.. بحيث إن 500 عنصر داعشي أمكنهم احتلال عاصمة محافظة الأنبار التي توازي مساحتها ثلث مساحة العراق! ودفع قوات الجيش التي يُقدّر عديدها بالآلاف على «الانسحاب» منها وبسرعة مشهودة! بل تفوق سرعة «انسحاب» قوات بشار الأسد من معسكر المسطومة وقبلها من دير الزور وإدلب!
أي بالمحصلة البسيطة: إيران تقول علناً، إنها لا توفّر أي وسيلة لتحقيق أهدافها وسياساتها، بما في ذلك استخدام «داعش». وإنها تفعل ذلك وتذيعه! ثم تبيع وظيفة محاربة الارهاب الى الشاري الأميركي، الذي يعرف سلفاً كل التفاصيل، ومع ذلك يشتري البضاعة المعروضة ويضعها في خزنة «إنجازاته» الافتراضية مع إيران، جنباً الى جنب مع الاتفاق النووي وملحقاته!
و»داعش» الأحجية كأنه «دواعش». ووظائفه متنوعة ومتعددة، الأوضح من بينها، في سوريا، هي كسر المعارضة المسلحة وتشويه صورة الثورة السورية من أساسها، ثم إنضاج معادلة الشيطان التي تُطرح أمام الغرب والعالم كله، بحجة القول إن البديل عن طغمة الأسد هو هذا الإرهاب العدمي الداشر.. وفي العراق تحطيم العصب العربي الذي لا يزال يتصدى لاكتمال السيطرة الايرانية على الجمهورية وقرارها المركزي!
واللافت الذي لا يراه الأميركيون من شدة إنبهارهم بأنوار «التصدي الإيراني للإرهاب التكفيري»، هو أن التحليل الممانع المعلن لمعركة الرمادي، يقول بوضوح وفصاحة، ان إرباك السعودية من جهة حدودها الشرقية هو أحد الأهداف «العزيزة» على قلب طهران، والمتوخّاة من تلك المعركة! وان الوسيلة لذلك هو «داعش» تماماً بتاتاً!
يوماً تلوَ يوم، ومعركة تلوَ معركة، ومن القلمون حيث واكب «داعش» هجوم «حزب الله» من الأمام، بإشغال مسلحي المعارضة من الخلف.. الى الأنبار، الى ما سبق منذ ذلك التموز المنحوس في العام 2013 وامتناع إدارة أوباما عن معاقبة الأسد على استخدامه الإجرامي للسلاح التدميري الكيماوي ضد أطفال الغوطة.. وغير ذلك الكثير من التفاصيل الميدانية المصوّرة والموزّعة بحرص وحِرَفية رفيعة على كل العالم.. يتبين، ان «داعش» أساساً هو نتاج غرفة عمليات الممانعة، قبل أي شيء آخر، وأخطر وظائفه على الإطلاق ليس فقط حماية الأسد من السقوط، ولا تسهيل سيطرة إيران على العراق، بل إلحاق الأذى والتشويه العميقين بالإسلام العربي الذي تبقى السعودية رائدته الأولى، ودمغه بالإرهاب والعَدَمية!
مشهد النازحين المنكوبين من الأنبار بالأمس، يذكّر بمشاهد النازحين المنكوبين من فلسطين التاريخية في العام 1948 ثم في العام 1967.. لكن تلك مشاهد صنعتها إسرائيل في مكان واحد، في حين ما تفعله الممانعة يمتد على مساحة وجودها من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق!