Site icon IMLebanon

«داعش» ليس أولوية تركيا

تحفل وكالات الأنباء هذه الأيام بتصريحات تركية متناقضة حول المشاركة في حملة برية على «داعش»، بحيث يستنتج المراقب أن لأنقرة أجندة أو أكثر في سورية والعراق ليست من أولوياتها الحرب على «داعش». هذا الوضع يُربك حلفاء إقليميين ودوليين لتركيا في مقدمهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والولايات المتحدة، فهذه الدول الثلاث هي التي تحارب «داعش» جواً باستمرار، مع مشاركة دول أوروبية بين وقت وآخر.

أولوية أنقرة هي الجيب الكردي في شمال سورية وتحركاته (بعناية أميركية) للسيطرة على الحدود، وفي موقع آخر يتقدم جيش النظام السوري وأعوانه (بغطاء جوي روسي) لتحقيق الهدف نفسه. بذلك تفقد تركيا تحكُّمها بحدودها الجنوبية التي سيشغلها طرفان غير صديقين، الأكراد والنظام، كما تفقد إمكان تحقيق مطلبها بمنطقة آمنة خفّفت مساحتها أخيراً إلى عمق 10 كيلومترات تشمل بلدة أعزاز.

وإلحاقاً للأولوية الكردية يواصل حزب «العدالة والتنمية» جهوده لإقرار دستور جديد يحوّل النظام التركي إلى رئاسي. يحدث ذلك على رغم انسحاب حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي، من لجنة البرلمان التي تبحث الدستور الجديد. كما تبرز معارضة حزب الشعوب الديموقراطي الذي زار زعيمه صلاح الدين دميرتاش موسكو قبل شهرين، زيارة اعتبرها الحزب الحاكم فعل خيانة، خصوصاً أنه دان إسقاط «السوخوي» أثناء لقائه وزير الخارجية سيرغي لافروف.

أنقرة منصرفة إلى الهاجس الكردي، مثلما تنصرف إيران إلى إنقاذ نظام الأسد، والطرفان، على ما بينهما من تناقض، لا يعبآن بخطر «داعش»، وربما يستغله كل منهما لتحقيق مصالحه.

ويرى مثقفون أتراك أن وطنهم مستهدف مما يحدث في سورية والعراق، ويُلاحَظ وقوف الأتاتوركيين في صف أردوغان ضد الأكراد، فيما يعارضون سعيه إلى نظام رئاسي.

رجب طيب أردوغان في مكتبه الرسمي وخلفه صورة مصطفى كمال أتاتورك. لقد شاخت الأتاتوركية وهي تطرق أبواب أوروبا، خصوصاً بعد ولادة الاتحاد وانهيار المعسكر الاشتراكي، وترى انقطاع الوشائج مع الجماعات التركية الآسيوية وصولاً إلى شمال الصين. كان المطلوب من أنقرة عضويتها في حلف الأطلسي وأداء وظيفتها في المواجهة الجنوبية مع الاتحاد السوفياتي في فترة الحرب الباردة. عدا ذلك تكتفي تركيا بعمالها المهاجرين في أوروبا، خصوصاً في ألمانيا، وبمعاناة مشكلتها البنيوية مع مواطنيها الأكراد الذين ما انفكوا يناضلون لتأكيد هويتهم والحصول على حقوقهم القومية في تركيا، كما في العراق وإيران وسورية.

شاخت الأتاتوركية وورثها أردوغان مع حزبه الإسلامي، محققاً نهضة اقتصادية وممارساً سياسات تستبدل الباب الأوروبي الموصد بأبواب مفتوحة في المجالين العربي والإسلامي. وكانت القفزة الأولى لأردوغان باتجاه سورية حين أقنع الأسد الابن بأنه سيملأ الفراغ السعودي في سورية الذي أعقب تمرُّد بشار على الملك عبدالله بن عبدالعزيز وانتقاله من سياسة علبة البريد التي اعتمدها والده بين الرياض وطهران، إلى التحالف مع إيران والوقوع في حضنها «إلى الأبد»، أي إلى لحظة اشتعال الثورة السورية على النظام. ولم ينقذ أردوغان حليفه بشار بل انقضّ عليه بأشرس هجوم تعرّض له النظام الأسدي في تاريخه القائم على ملاعبة الأخطار.

وبقدر ما تفضح الحرب السورية الأطماع السياسية لإيران في المشرق العربي فإنها تُثْبت عجز الإسلام السياسي التركي عن أداء دور إيجابي وبنّاء في هذا المشرق، لأن «الإخوان» الأتراك شاخوا سريعاً بحيث يبدو أردوغان في مكتبه شبيهاً بأتاتورك: صورة من خلفها صورة.