لا يُجافي عنوان الهامش جادّة الحقيقة، فكثرة الأحداث وتتاليها دراماتيكيّاً بلغَ حدّ أن يمسح خبرٌ خبراً من ذاكرة الشعوب، بل الأحرى أن نقول إنّ صورة الشاشة باتت هي الذاكرة، وأنّ التقنيّة الخبريّة اليوم أن تمحو الصورة أختها، في عمليّة منظمّة لأكبر «عملية محو» لذاكرة الشعوب العربيّة.
ولا يُجافي العنوان الحقيقة لأننا وبعودة بالذاكرة إلى العامين 2012 و2013، سنستعيد الصورة الحقيقيّة لهذا المشهد «الداعشي»، عندها سيسهل أمرٌ من اثنين إمّا حلّ أحجية اسمها «داعش» وإما «إعادة» تركيب «بازل» المشهد الحاضر اليوم أمام أعيننا، فخلال عامَيْ 2012 و2013 توالت سلسلة عمليات فرار من سجون تسع دول أعضاء في منظمة البوليس الدولي خلال شهر تموز وبالتحديد من سجون العراق، وليبيا، وباكستان، يومها أطلق الأمين العام للمنظمة الدولية إنذاراً أمنياً عالمياً، دعا فيه إلى توخي أقصى درجات الحذر، وهنا من الضرورة أن نعيد إلقاء نظرة على البيان الصادر عن وكالة التعاون البوليسي في 3 آب 2013، الذي كشفت فيه الوكالة عن أهم العمليات التي وقعت: في 23 تموز فرار من 500 إلى 1000 سجين من سجني تاج وأبو غريب في العراق ومن تحت «عين» نوري المالكي، في 27 تموز سجل فرار 1117 سجيناً من سجن قوافيا بمحافظة بنغازي في ليبيا، وفي ليلة 29-30 تموز فرّ 243 من عناصر طالبان من سجن دارة إسماعيل خان (منطقة قبلية باكستانية)، وتمّت عمليات الهروب هذه بعد عمليات كوماندوس دقيقة جداً.
هذا الفرار الجماعي من أكثر من سجن ولعتاة إرهابيي القاعدة، والذي تزامن مع قرارات عفو رئاسي لبشار الأسد أخرجت كثيرين من الإرهابيين بعدما تمّ تكليفهم بمهمة محدّدة، فالآن كبرت حاجة النظام إلى ردّ هؤلاء الجميل له، بعدما دعم إيران بـ»الدولة الإسلامية في العراق» لتقوم بتنفيذ عمليات إرهابية على الجيش الأميركي، والآن حان وقت عودة كثيرين ممّن تولّى بشّار فتح الطريق لهم إلى العراق ثم يعودوا إلى «العبور السوري»!!
«الأسد يلعب بالنار أكثر بكثير مما يمكن لسوريا أن تحترق»، هذه خاتمة الدراسة التي حملت عنوان: «الطريق السوري إلى الإرهاب الإسلامي ـ شتاء العام 2010»، هذه دراسة لمايكل روبن وهو باحث مقيم في معهد المشاريع الأميركي، ومحاضر في كلية الدراسات العليا للبحرية الأميركية، وخبير متمكن في النظام السوري وأحابيله وألاعيبه، والدراسة تناولت مفاصل كثيرة، بعد بدء العمليات العسكرية ضد العراق في آذار 2003 عندما بدأت وزارة الدفاع الأميركية بالتعبير عن قلقها من الدعم السوري للإرهاب هناك، وفي مؤتمر صحافي عقده في بغداد عام 2004، قال الجنرال ريتشارد مايرز رئيس هيئة الأركان المشتركة أن «هناك آخرون من المقاتلين الأجانب ونحن نعرف بعين الصواب أن الكثير منهم وجدوا طريقهم إلى العراق عبر سوريا بالتأكيد» ووفقا لبعض التقديرات ربما 80 في المائة من الأجانب المقاتلين الذين تسللوا إلى العراق دخلوا عبر الحدود السورية، وأنهم كانوا المسؤولين عن معظم العمليات الانتحارية المدمرة في العراق، وقاد تتبع المحقق الايطالي لعملية تجنيد المقاتلين الأجانب في إيطاليا إلى أن «سوريا عملت كمركز لشبكة القاعدة» بالرّغم من كلّ الدلائل بشار الأسد نفى مراراً أي تورّط لنظامه في تسهيل الإرهاب في العراق.
وفي أيلول العام 2007، اكتشفت القوات الأميركية في سنجار [سنجار ما غيْرها، التي يسبون نساءها الأزيديات ويبيعوهن سبايا على يد داعش] أجهزة كمبيوتر ومخبأ لوثائق شملت سجلات لأكثر من 600 من المقاتلين الأجانب الذين تسللوا إلى العراق في الفترة ما بين ربيع 2006 وصيف 2007… وأظهرت هذه الوثائق وجود نمط من «السلوك السوري» على خلاف «التصريحات المعلنة» للنظام و»مواقفه الديبلوماسية»، في حين أن السجلات دلّت على أن الجنسية السورية كانت الجنسية لـ44 دولة فقط من المقاتلين الأجانب خلف السعوديين (237) والليبيين (111)، لكن السوريين هم الذين نسقّوا إدراج كل المقاتلين المذكورين في العراق، وتعتبر سجلات سنجار الإدانة الأشد للنظام السوري بتسهيل الإرهاب وإن أنكر دوره فيها، إلا أنّ سجلات سنجار كانت الدليل المؤشر على أن المجندين وصلوا إلى العديد من السوريين من خلال شبكة الإنترنت.
وللتذكير بعدما أفضى الحصار الأميركي لمدينة الفلوجة في صيف عام 2004، على الاستيلاء عليها عثرت القوات الأميركية على صور فوتوغرافية لزعيم «جيش محمد» قائد المجموعة الإرهابيّة، في اجتماع مع مسؤول سوري رفيع المستوى يومها قام السفير العراقي في سوريا بالاحتجاج لدى الحكومة السورية عن هذا الأمر… وللحديث تتمّة وتتمة.