IMLebanon

«داعش» الممانعة

نجح «داعش» في مخيم اليرموك، وسقط في عموم سوريا. سرق المخيم الفلسطيني المنكوب تمهيداً لتسليمه إلى بقايا سلطة الأسد، مثلما حاول أن يسرق الثورة ويسلّمها إلى جلاّديها.. وهو كاد أن ينجح في مهمته هذه وأن يرد الكثير من الاعتبار لمقولة المفاضلة بين جلاّد طاغية يرتدي بذلة رسمية ويضع ربطة عنق ويحمل في يمينه نصاً حزبياً (مدنياً!)، وبين جلاّد طاغية يرتدي جلباب الخليفة ويضع السيف في رقاب أعدائه ويحمل في يمينه نصاً دينياً محرّفاً.

وقصة «داعش»، لمن لا يزال يركبه الوهم ويأخذه الضجيج التزويري إلى المكان الخطأ، هي الإصدار الأنجح في سلسلة إصدارات مطابع الممانعة، وليس غيرها على الإطلاق.. غزلتها وسوّتها وحبكت خيوطها وأطلقتها في سوق ملتبسة لكنها ميّالة إلى الفراغ: لا المعارضة أمكنها الحصول على ما يلزمها لإنهاء الحالة الأسدية والإجهاز على ما تبقى من سلطاتها وقواها، ولا تلك السلطة تمكنت من كسر الثورة وإعادة الأمور إلى السيطرة الإحكامية السابقة. مرّ «داعش» بين سطور العجزين وحقّق الكثير مما عجزت تلك البقايا السلطوية عن تحقيقه.

وسرد الوقائع في زمن صاخب، لا يعطيها حقّها الكافي من الإنصات.. لكن ربما تنفع العموميات في إيصال الفكرة: نجح معارضو الأسد في الثورة عليه لكنهم فشلوا في تحقيق الانتصار. نجاحهم ذاتي وفشلهم (المرحلي والراهن بكل حال) موضوعي ويتصل بالأميركيين قبل غيرهم بالتمام والكمال. فيما الصورة على الجانب الآخر تكاد تقارب الأسطورة: لم يبقَ مَدَدٌ إيراني وروسي إلاّ وقُدّم إلى الأسد. ولم يبقَ سلاح إلا واستُخدم. ولم تبقَ خبرية رعب في التاريخ البشري إلا وتعرضت للتبخيس إزاء مقارنتها بارتكابات وفظاعات تلك المنظومة الممانعة الفتّاكة. ومع هذا كله بقي الانكسار صنوّها الوحيد، والاندثار مآلها الحتمي.

رمية «داعش» في هذا السياق كانت أهم الرميات وأنذلها وأكثرها شيطنة وعبثاً. وهي دلّت وتدلّ على أن منظومة الممانعة اعتمدتها بعد أن أخذ العجز منها مأخذه وتبيّن لها استحالة تنفيذ «إرادتها» باستخدام الكيماوي والغازات السامة، لحرق ومحو، حرفياً ومباشرة، كل منطقة خرجت فيها تظاهرة معادية أو انطلقت منها رصاصة معارضة، خصوصاً وأن التجربة في الغوطة الدمشقية كادت أن تكون مدمّرة ذاتياً.. وتحضر بالمناسبة ردحيات جون كيري يومها، وقصّته الأثيرة عن إحضاره أشرطة فيديو المذبحة التي تُظهر الأطفال السوريين المخنوقين، إلى بيته، لمعاينة الجريمة وفظاعاتها التي تذكّر بأفران الغاز النازية!

طبعاً، الأشرطة «ضاعت» لاحقاً، وتبخّر الغاز السام! ولم يبق إلا الاتفاق الذي رعته موسكو وأنقذت بموجبه الأسد من الهلاك.. وإدارة أوباما من الإحراج!

.. دخل «داعش» إلى مخيم اليرموك عبر خطوط حصار كانت كافية لمنع تمرير كيس طحين واحد على مدى سنتين! تماماً مثلما كان دخل إلى الرقّة وسيطر على أول مركز محافظة سورية، من دون أن يطلق رصاصة باتجاه قوات السلطة وشبيحتها وذبّيحتها. وفي الحالتين لم يقاتل إلا المعارضة، ولم يفعل سوى ترسيخ صورة الرعب من البديل عن سفّاح دمشق!

لكن مثلما أن الدفرسوار الذي شكّلته الرقّة لبدء اختراق الثورة في عموم سوريا (والمصطلح علمي وفي مكانه!) لم يوصل إلى نتيجة عامة وحاسمة، فإن سقوط اليرموك لن يسقط باقي خطوط المعارضة في ضواحي دمشق وبعض أنحائها الداخلية.. هو سقوط لم يفعل سوى تقديم عيّنة دموية ومأسوية أخرى، عن طبيعة المنظومة الممانعة ومدى «تنوّرها» تحت ظلال «داعش» وراياته السود!