هل هي مجرد صدفة ان يختار تنظيم «داعش» في زمن متقارب العبث بالامن الاردني، والتركي، واللبناني، وتوسيع دائرة النار في المنطقة؟ هل يملك التنظيم هذه القدرة على اتخاذ قرار مركزي في الرقة وتقوم مجموعاته بالتنفيذ في ثلاث ساحات منفصلة؟ هل ما يحصل مجرد رد فعل من التنظيم الارهابي على الضربات المؤلمة التي تلقاها في سوريا والعراق؟ ام ان ثمة «لعبة» تتجاوز قدراته تديرها اجهزة امنية اقليمية ودولية تسعى لتوسيع دائرة الحريق لتوظيفها في مكان آخر؟ هل ما يحصل ضربات عشوائية ام ثمة من يريد ان يرفع حرارة المشهد الاقليمي لغايات واهداف ستتضح في وقت لاحق؟
الاجابات لن تكون سهلة، قد تكون الاجابة موحدة على تلك الاسئلة، وربما اكثر، لكن تدافع الاحداث بصورة «دراماتيكية» يدعو الى شيء من التأمل وعدم الاستعجال في الاستنتاجات، كما تقول اوساط دبلوماسية في بيروت دعت من «راجعها» من رسميين لبنانيين، بضرورة التعامل مع الحدث بكثير من الحكمة والتروي والجدية لان ما حصل في القاع لا يبدو انه «النهاية» وانما «البداية»، اختراق الحدود الاردنية ليس قرار عابرا، والضرب في موقع استراتيجي في اسطنبول بمثابة «اعلان حرب»، وما حصل على الحدود الشرقية مع لبنان قد يكون «الشرارة» التي ستشعل «الحريق»…
وبرأي تلك الاوساط، فان ما حصل سواء كان قرارا «ذاتيا» من قيادة «داعش»، او بدفع من جهة استخباراتية اكثر احترافية، فان «الرسالة» يجب ان تكون قد وصلت، والمطلوب لبنانيا قراءة متأنية للوقائع والاستفادة من «الدرس» سياسيا وامنيا قبل فوات الاوان لان ما كشفته عملية القاع من ثغرات امنية، وعشوائية المعالجة السياسية، مثير للقلق، ومعالجتها تبدو اكثر اهمية في الوقت الراهن من السعي وراء الكشف عن الاهداف الحقيقية لتلك المجموعة الارهابية.
وفي هذا السياق تقول مرجعية معنية في شؤون الارهاب، بان مجموعة من المصادفات ادت الى فشل تحقيق مجموعة الانتحاريين لاهدافها، وهذا الامر بات محسوما، نتائج العملية بالقياس مع عديد الانتحاريين يشير الى ان ما كان مطلوبا من هؤلاء اكبر بكثير من القيام بتفجيرات مجانية في شوارع القاع، فالمقصود لم يكن «الصدمة والترويع»، لان من لديه نية لتهجير ابناء البلدة يكفي«ذئب منفرد» لتحقيق ذلك وليس مجموعة «انغماسيين» قادرة على احداث «زلزال» امني واسع على مساحة الجغرافيا اللبنانية… وبانتظار تبلور معطيات جديدة عقب تمكن الجيش من تحديد مكان اختبائهم قرب كنسية البلدة والعثور على بعض الادلة..فان البحث عن سبب «ارتباك» المجموعة الارهابية، سيحتاج الى الكثير من الوقت والجهد، لفهم سبب اقدام بعض الجناة على الانتحار «المجاني»… خصوصا ان ساعات طويلة فصلت بين العملية الاولى والثانية، فلماذا اختارت «الوجبة» الثانية الخروج الى العلن في ظل اجراءات امنية مكثفة على الارض؟ تحركها لم يكن فعلا انفعاليا وجاء بعد ان اخذ هؤلاء وقتهم في التفكير بما سيفعلونه، مع احتمال استمرار تواصلهم مع «المشغل» الرئيسي المتحكم في سير العملية!
واذا كان قد ثبت حتى الان بان المجموعة الارهابية قد فشلت في تحقيق اهدافها المرسومة، فما حصل اثبت ان المجموعات التكفيرية تسبق الاجهزة الامنية «بخطوة»، وتسبق الطبقة السياسية «التائهة» بمئات الكيلومترات، وثبت بالدليل القاطع ايضا ان المعلومات التي كانت بحوزة الاجهزة المعنية حول ارتفاع منسوب المخاطر لم تكن سوى تقاطع لمعلومات غير مسندة بوقائع متينة، بعد ان اتضح بان الاجهزة الامنية لا تملك «داتا» معلومات كافية عن هذه المجموعة وتبين انها خارج الشبهات وليست في دائرة الرصد والمتابعة، كذلك اتضح منذ الساعات الاولى هشاشة التنسيق الامني بين الاجهزة… ويمكن القول ان ما حصل في القاع فضح ما يمكن تسميته «الخلل» الامني الذي كاد يؤدي الى كارثة غير مسبوقة بعد اهمال وجود خلية نائمة في موقع لا يبعد سوى امتار قليلة عن مكان حدوث التفجير الاول فجرا، مع العلم ان البلدة تحولت طيلة النهار «محجا» لكبار القادة الامنيين والسياسيين الذين كانوا يتنقلون تحت «انظار» الانتحاريين الذين لا يعرف حتى الان لماذا لم يتحركوا؟ فهل تمت مساءلة احد عن هذا التقصير الامني الفاضح الذي وضع القيادات الامنية والسياسية في «عين الخطر» دون اجراء المسح الامني الواجب القيام به في حالات مماثلة؟
المجموعة الارهابية رسمت قواعد جديدة للاشتباك في بلدة القاع، السؤال هل من خطة جدية للتعامل مع الارهاب وبيئته الحاضنة بناء على هذه المعطيات الجديدة؟ الجواب هو كلا… امكانية عبور الانتحاريين الحدود اللبنانية السورية دونه عقبات كثيرة، ولكن حتى لو ثبت انهم اتوا من وراء الحدود، فان قاعدة انطلاقهم الثانية موجودة على الاراضي اللبنانية، ودون وجود «قاعدة» لوجستية قريبة ليس بمقدور هؤلاء التحرك نحو اهدافهم المرسومة..لكن ثمة من استعجل «لضبضبة» الموضوع، وبحسب اوساط 8آذار ان هناك اكثر من علامة استفهام حول الكلام الذي اكد استبعاد وجود بيئة حاضنة للجماعات التكفيرية داخل مخيمات النزوح، خصوصاً ان قوى 14 آذار «تساير» الرغبة الدولية التي تريد من الدولة اللبنانية عدم ازعاج التجمعات الكبيرة للاجئين السوريين لعدم دفعهم الى الهجرة، وثمة قوى اقليمية ودولية تريد توظيف تلك المخيمات في الصراع القائم، وهناك من يريد ان يبقي بين يديه «اوراق قوة» للتفاوض او الابتزاز في مرحلة لاحقة، هذا ما يفسر عدم منح الجيش الغطاء السياسي المطلوب لتحرير الجرود المحتلة ، ومنعه من الحسم في عرسال ومحيطها…
وما يبقي لبنان مرشحا لدخول «نادي» الفوضى في المنطقة، رفض قوى 14 آذارمجددا فتح قنوات اتصال رسمية مع الدولة السورية لرفع مستوى التنسيق لمكافحة الارهاب، وفتح ملف اللاجئين رسميا لاعادة من يمكن اعادته من النازحين الى داخل الاراضي السورية، وهذان الملفان يستطيع حزب الله العمل على بلورتهما في حال موافقة الفريق الاخر على ذلك، لكن لا تبدو من ردود الفعل العلنية، ووراء الابواب المغلقة ان ثمة تغييراً جوهرياً في الموقف،السعودية متمسكة باستراتيجية «العناد» رغم تجاوز المجموعات التكفيرية «الخطوط الحمراء»… وبدل التراجع «خطوة الى الوراء» تجددت «نغمة» الحاق الحدود الشرقية بالقرار 1701 مع ما يعنيه ذلك من محاولة «خبيثة» للحد من تحركات حزب الله على هذه الحدود، وليس منع المجموعات التكفيرية من الاعتداء على الاراضي اللبنانية، يدرك هؤلاء ان هذا الطرح لن يمر ويمكن ان يتسبب بهزة امنية وسياسية كبيرة، لكنهم يطرحونه للهروب من طريق الحل المنطقي والاكثر فعالية لحل المشكلة الامنية وازمة النزوح..ثمة من يريد ربط لبنان بازمة المنطقة المرشحة لمزيد من الاشتعال وهذا ما يشير الى ان الساحة اللبنانية باتت «قاب قوسين» او «ادنى» من الدخول في «عين العاصفة»..