IMLebanon

«داعش» يحيي دور زعيم «الحشاشين»!

كان رئيس وزراء اليابان شينزو آبي ينتظر بفارغ الصبر الجواب الأخير حول مصير الأسير الثاني لدى «داعش» كينجي غوتو. وفي الوقت ذاته، كانت محطات التلفزيون في طوكيو تبث كل ساعة نداء الاسترحام الذي توجهت به والدة الأسير، مناشدة «داعش» العفو عنه كي يعود الى أسرته ومحبيه.

مصير الأسير الياباني الثاني لم يكن، في نظر جلاد «داعش»، أفضل من مصير زميله السابق هارونا يوكاوا. أي الاعدام بالسكين على يدي رجل ملثم في لباس أسود، يرمز الى عزرائيل الموت. وظهر في الفيديو الرهينة بلباس برتقالي جاثياً على ركبتيه.

رئيس الحكومة اليابانية علّق على عملية ذبح الصحافيين بالاعتراف أنه فعل ما بوسعه لمعالجة الأزمة الناشئة عن رفضه الخضوع للإبتزاز، وأنه إمتنع عن دفع مئتي مليون دولار كثمن لانقاذ المراسلين. واختتم تصريحه بالقول: «لن نغفر أبداً للارهابيين. واليابان عازمة على تحمل مسؤولياتها بالتعاون مع المجتمع الدولي لمكافحة هذه الظاهرة، ومحاكمة المسؤولين عن أعمالها».

ويُستدَل من مراجعة ظروف هذه الأزمة التي خبرتها دول أخرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة، أن تشابكها مع وضع السجينة ساجدة الريشاوي والطيار الأردني معاذ الكساسبة، قد ضاعف من تعقيدات الحل.

وكان «داعش» قد هدّد أيضاً بقتل الطيار الأردني ما لم يُفرَج عن ساجدة، المحكوم عليها بالاعدام لدورها في هجوم إنتحاري سنة 2005 أودى بحياة ستين شخصاً بينهم المخرج السوري المعروف المرحوم مصطفى العقاد، علماً أن زوج ساجدة هو الذي فجّر نفسه في أحد فنادق عمّان، بينما فشلت هي في تشغيل صاعق التفجير. وبما أن أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، كان ناشطاً في خلية أبو مصعب الزرقاوي في بغداد، فقد رأى أن مساهمته في الإفراج عن رفيقة الجهاد، ساجدة الريشاوي، ستعزز موقعه حيال أنصاره.

بعض المحللين يميل الى الاعتقاد بأن دحر عناصر تنظيم «داعش» في عين العرب (كوباني) شكّل صدمة قوية للبغدادي. لهذا السبب تراجع عن مبدأ المساومة مع عمّان وطوكيو بحيث يصرف إنتباه الرأي العام العالمي عن هزيمته العسكرية، ويستعيض عنها بكسب معنوي في موضوع الصحافيين اليابانيين. ويتوقع رئيس وزراء اليابان شينزو آبي أن يكون لعملية إعدام مراسلين بريئين الصدى الشعبي المطلوب لتعديل قوانين حياد بلاده. ويشاطره الرأي الخبير العسكري يوكيو أوكاموتو، الذي يشجعه على تعديل معاهدة الصلح التي وقعت سنة 1947 بغرض منع اليابان من حيازة ترسانة عسكرية. وتنص المادة التاسعة من تلك المعاهدة على حصر شؤون اليابان بالقضايا الاقتصادية، مع النأي بمستقبلها عن أمور التسلح.

ويرى الديبلوماسيون في طوكيو أن الأزمة مع «داعش» ستولد حقائق جديدة على أرض الواقع، بحيث تدفع رئيس الوزراء الى إتخاذ سياسة أكثر مرونة، وأكثر بعداً عن وصاية الولايات المتحدة. والدليل على ذلك أن اليابان في حرب 1973 وقفت الى جانب مصالحها مع الدول العربية كي تؤمن حاجتها من نفط الخليج.

وأبلغ ما قاله رئيس الحكومة آبي في هذا السياق، هو إن بلاده لا تملك فرقة كوماندوس يمكن إستخدامها لانقاذ الذين يتعرضون للإعتداء. كما أن الدستور لا يسمح لها بتأسيس جيش نظامي قادر على صدّ الاعتداءات بواسطة أسلحة هجومية.

والثابت أن رئيس وزراء اليابان سيتخذ من اعتداء «داعش» حجّة لتعديل اتفاقية الهدنة. ويبدو أن الشعب الياباني مستعد لقبول تغيير وضعه السياسي في ظل رئيس حكومة يفاخر بأنه نجل أنجح وزير خارجية ياباني، شينتارو آبي. وهو من جهة والدته حفيد رئيس وزراء عُرِف بالإقدام والحكمة والوطنية. وبسبب هذه الخلفية، سيستغل آبي الوضع المقلق لإجراء إستفتاء شعبي يعلن خوض إنتخابات طارئة على أساسه.

وفي صباح يوم الأربعاء، إتصل بالعاهل الأردني لتقديم واجب التعزية بوفاة الطيار الكساسبة، والإعراب عن إستنكاره الشديد للقصاص الوحشي الذي نفذه تنظيم «داعش» بالرهائن الثلاثة، متحدياً بذلك الأعراف الدولية المتعلقة بمعاملة الأسرى. كما جدّد في الوقت ذاته تعهده بتقديم كل عون يطلبه الأردن من أجل تجاوز هذه التجربة القاسية.

وتؤكد المعلومات المتداولة في عمّان أن «داعش» نفذ حكم الاعدام حرقاً بالطيار معاذ الكساسبة بعد أيام قليلة من تحطم طائرته فوق مدينة الرقة شرق سورية، وذلك في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ثم تعمَّد التضليل عبر إظهار صورة الصحافي الياباني كينجي غوتو، الذي سُمِع يقول: «أي تأخير من الحكومة الأردنية يعني أنها مسؤولة عن قتل الطيار وقتلي أيضاً. وليس عندي أكثر من 24 ساعة فقط.» وكان «داعش» بهذا التحايل يريد الإفراج عن العراقية ساجدة الريشاوي، مع التصميم على ذبح الصحافي الياباني، والاعلان في وقت لاحق عن قتل الطيار الأردني.

العقيد ممدوح العامري، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الأردنية، ردَّ على هذا التهديد بالقول: «إن الأردن لم يتسلم بعد أي دليل على سلامة الطيار معاذ. ونحن في انتظار أي إثبات يؤكد ذلك».

وحيال ذلك الحائط المسدود، إستدعى العاهل الأردني صافي الكساسبة، والد الطيار، ليبلغه حرص الدولة على تحرير نجله من الأسر، وأنه شخصياً على إستعداد لاستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل إنهاء هذه المأساة العائلية والوطنية.

وكان من الطبيعي أن يترك كلام الملك عبدالله الثاني الكثير من الاطمئنان في قلب الوالد المفجوع، وقلوب أبناء محافظة الكرك، الذين يعرفون بالاختبار النجاحات التي حققتها وساطات دولتهم. ففي ليبيا سبق للأردن أن توسَّط لتحرير سفيره الذي إختطفته عناصر تنتمي الى ميليشيات مسلحة. في حين فشلت الولايات المتحدة في حماية سفيرها من عملية إرهابية.

إضافة الى العلاقة الوثيقة التي تجمع أبناء العشائر حول عقيدة الولاء للملك، فإن الأسرة الهاشمية كانت تعتمد دائماً على دعم العشائر التي يشكل افرادها ما نسبته ثمانون في المئة من عدد القوات المسلحة. لذلك قابل الملك عملية إحراق الطيار معاذ بتنفيذ حكم الاعدام بساجدة الريشاوي وزياد الكربولي.

ويتوقع المراقبون في عمّان أن يكون «الزلزال» الذي تحدث عنه وزير الدولة لشؤون الاعلام، محمد المومني، بمثابة إشهار حرب واسعة – براً وجواً – بمؤازرة دول إقليمية ودولية عانت الأمرَّيْن من جرائم هذا التنظيم.

ويحرص الأردن، في هذه الحملة، على إشراك خمس دول كانت ضالعة – عملياً ومادياً ولوجستياً – في خلق «داعش» وتزويده بالمال والسلاح. ولكنه بعدما تركز في الأرض، تقمَّص دور فرانكشتاين، المخلوق الذي تمرّد على خالقه!

في حديث أدلى به الرئيس العراقي فؤاد معصوم الى «الحياة» الأسبوع الماضي، قال إن مصطلح «الدولة الاسلامية في العراق والشام» يشير جغرافياً الى العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين. ووصف أسلوب الترهيب الذي يمارسه أبو بكر البغدادي بأنه مستوحى من أسلوب المغول الذين احتلوا العراق… ومن شخصية الحسن الصبّاح الذي عُرِف بتجنيد الانتحاريين.

ويقول المؤرخون إن الحسن الصبّاح وعمر الخيام ونظام الملك كانوا من مريدي شيخ واحد. وقد أقسموا على أن أول مَنْ يحقق النجاح منهم يساعد الآخرين. وعندما أصبح نظام الملك وزيراً لدى السلطان السلجوقي، ذكّره زميلاه القديمان بالعهد القائم بينهم، فاقترح عليهما منصب الولاية. ورفض عمر الخيام مكتفياً بمعاش يسمح له بالتفرّغ لحريته وهوسه. أما الحسن الصبّاح فقد طالب بمنصب رفيع في البلاط وحصل عليه. ولكنه سرعان ما طمح الى منافسة نظام الملك على الوزارة، فما كان من هذا الأخير إلا أن دبَّر له مكيدة أفقدته الحظوة لدى السلطان. عندها أقسم الصبّاح على الانتقام. وهكذا ولِد مشروعه القائم على التمرّد والعصيان.

في كتاب برنارد لويس المخصص لحكاية الحشاشين، والتي منها جاءت كلمة ASSASSIN باللغات الأجنبية، ومعناها: الحشاش، أو القاتل بدافع التعصب الأعمى، يقول إن ولادته كانت مجهولة ولكنه توفي سنة 1124. وقد نقل مشروعه الى القاهرة، عاصمة الخلافة الفاطمية. وكان في طموحه غير المحدود يسعى الى زعزعة النظام السنّي (بعكس البغدادي) بابتداعه الارهاب السياسي، إستجابة لدعوة تنزع الى بلوغ الجنة. وكان هدفه تسريع عودة الإمام المحجوب ليعلن «القيامة» حيث تبطل الشريعة، وتفتح الطريق أمام حياة تنتهك المحرمات. وهكذا أعلن زوال زمن الشريعة، على أيدي أتباع الحسن الصبّاح الذين عاشوا معه في قلعة «علموت» بالقرب من بحر قزوين.

وبعكس ما يفعله حشاشو «داعش»، فان حشاشي الصبّاح لم يفتعلوا مجازر عمياء، ولم يوقعوا ضحايا أبرياء. كما أنهم لم يستهدفوا الأجانب، باستثناء إقدامهم على إعدام الماركيز كونراد، ملك القدس، بأمر من «شيخ الجبل» الذي كان الصبّاح قد عيّنه لقيادة الفرع السوري. وقد أقام في قلعة مصياف. وقيل في حينه إن ذلك الاعدام لم يكن مجانياً، وإنما الغرض منه إثارة الانشقاق في صفوف الفرنجة. وهذا ما حدث فعلاً، إذ اتهم ريكاردوس قلب الأسد بأنه المحرِّض على عملية الاغتيال.

يُجمع المراسلون في سورية على القول إن عملية إحراق الطيار الأردني معاذ لم تكن وليدة موقف ثأري مرتَجَل. وإنما كانت خطة مدبرة بهدف إحراج النظام الأردني، وإعطاء المعارضة المبرر السياسي لإثارة الفوضى والعصيان. وقد سارع الملك عبدالله الثاني الى تنفيس ذلك الاحتقان الشعبي من طريق مشاركة الدولة بواجب العزاء، والتعهد باقتصاص مروّع بدأه بإعدام ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي. واعتبر كلامه بمثابة إعلان حرب ضد «داعش»، الأمر الذي منع إنزلاق الأردن الى صدامات محلية يصعب التنبؤ بتفاعلاتها الاجتماعية والسياسية.

ردود الفعل على كلام العاهل الأردني جاءت مشجعة ومؤيدة. ولكن الأمم المتحدة تجاوزت الدعم المعنوي، لتطالب بتحرك دولي عاجل بعدما أعلنت هذا الأسبوع عناصر تنتمي الى «داعش» إستيلاءها على حقل نفطي في ليبيا… وبعدما أعلن زعيم «بوكو حرام» أنه يستلهم أعمال «داعش» قبل الاقدام على إفتعال المجازر في نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر. وهذا ما دفع باريس الى المطالبة بتشكيل تحالف دولي لمواجهة الارهاب في افريقيا، على شاكلة التحالف الذي أنشىء من أجل الدفاع عن الشرق الأوسط!