IMLebanon

«داعش» يتألّق مجدداً

 

كلّما اجتازت المنطقة مرحلة خطرة دخلت في مرحلة أشدّ خطورة. هذا هو واقع الحال اليوم بعدما ذهبت الساحات كلّها في اتجاهات أكثر دموية.

لم يكن الانفجار الاخير في المملكة العربية السعودية هو العمل الارهابي الاول من نوعه، ولكنّه يؤشر لواقع جديد سيكون عنوانه تنظيم «داعش». السلطات السعودية أبلغت إلى المراجع الدولية أنها نجحت في الآونة الاخيرة في تفكيك أكثر من مئة خلية إرهابيّة كانت تستعدّ لتنفيذ عمليات ارهابية في المملكة، من بينها استهداف مقر وزارة الداخلية.

وفي الوقت نفسه باشرت السلطات السعودية حملة تطهير في صفوف القوى الامنية منعاً لحصول اختراقات بعدما نجح التنظيم الارهابي في خطّته هذه في كلٍّ من العراق وسوريا. وعلى رغم ذلك تبدي الاوساط الديبلوماسية قلقها الشديد من النوايا التي يبيّتها «داعش» لاستقرار السعودية.

وكان لا بدّ لبعض المراقبين من استذكار كلام الرئيس الاميركي باراك اوباما عن أنّ الخطر على السعودية لا يأتي من الخارج بل من داخلها، اضافة الى التصاريح الايرانية الاخيرة التي تمحورت على الوضع الداخلي السعودي.

قبل ذلك، إنجاز جديد وكبير لـ«داعش» في الرمادي العراقية. اجتياح جديد في تكرار لسيناريو الموصل أدّى الى نتيجتين مباشرتين. الأولى استيلاء «داعش» على كمية كبيرة من الاسلحة النوعية والحديثة والذخائر، والثانية تراجع هيبة ونفوذ الدولة العراقية في مقابل تشجيع واشنطن القوى المحلية لمواجهة وقتال «داعش»، ما يجعلها تكتسب شرعية الارض والحضور، واقتراب خطر «داعش» من العاصمة بغداد.

وما من شك في أنّ قناعة ايران ازدادت بصعوبة استعادة نفوذها على كامل العراق. في الموصل سعت طهران لاحتواء تمدّد «داعش» وحاولت ترتيب واقع يسمح لها باستعادة بعض اوراق القوة من خلال الحكومة العراقية، إلّا أنّ ضربة الرمادي احرقت بعض هذه الاوراق.

وفي سوريا وقائع عسكرية ضدّ مصلحة النظام. فبعد التطورات العسكرية جنوب العاصمة دمشق، ضربة موجعة في جسر الشغور تلتها أخرى في تدمر المنطقة التي تمتاز بموقع جغرافي استراتيجي. ولم يعد خافياً أنّ محافظة حمص تُعتبر مفتاح التحكم بكامل اللوحة السورية.

في اختصار، المخاطر في الخليج ترتفع. مرة من خلال حرب اليمن المفتوحة، ومرة أخرى باستهداف الاستقرار الداخلي للسعودية، في مقابل تغييرات جذرية تصيب الساحتين العراقية والسورية حيث تقاتل ايران بشكل شبه مباشر.

في الكلام الذي نقل عن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سقف مرتفع وتصويب في اتجاه الحلف الجديد الناشئ بين السعودية وقطر وتركيا. ربما يقرأ نصرالله وجود قوة كبرى ساهمت في توحيد جهود هذه الدول الثلاث في العراق وسوريا.

والواضح أنّ هذا التناغم في الحركة في سوريا والعراق ما كان ليحصل لولا وجود جهة قادرة تقف خلف الستارة وتعمل على ترتيب المشهد الذي يجب ألّا نفصله أبداً عما يجري في اليمن والآن في الداخل السعودي.

أضف إلى ذلك ما بدأ يتردّد من معلومات عن وجود جهود جدية لتوحيد «داعش» و»النصرة» في تنظيم واحد على أساس مبايعة «النصرة» «داعش» للخلافة، في مقابل إعلان «داعش» أنّ «الولاية» السورية من مسؤولية «النصرة» وحدها.

في المحصّلة، لا يمكن لكلّ هذه العواصف التي تضرب المنطقة إلّا وأن تصيب لبنان. فـ«حزب الله» الذي يقاتل في سوريا لحماية حضوره في لبنان من جهة وليبقي على تواصله الجغرافي مع ايران من جهة اخرى، اتخذ قراره بمهاجمة «النصرة» و«داعش» في جرود عرسال، ويبدو أنّ هذه الحملة العسكرية ستتخذ طابع «القضم» والتقدم خطوة خطوة بعدما أثبتت حملة القلمون نجاحها على المستوى العسكري.

هذا الواقع سيدفع المئات من المقاتلين التابعين للتنظيمات الارهابية إلى الانكفاء في اتجاه الداخل اللبناني، حيث سيجد الجيش اللبناني نفسه ملزماً بمنعهم من تهديد أمن البلدات والقرى البقاعية. وهذا سيعني ارتفاع سخونة السجال السياسي الداخلي على وقع مواجهات عرسال المنتظرة.

المستجدات العراقية والسورية والاستحقاقات المنتظرة في عرسال دفعتا نصرالله الى رفع سقف خطابه ليقول بطريقة او بأخرى، إنّ حسابات «حزب الله» أضحت عسكرية فقط وإنّ الاولوية هي للميدان وليس للسياسة، معتبراً أنّ المعركة هي معركة وجود.

في المقابل، فإنّ واشنطن التي تستعد لتوقيع الاتفاق النهائي مع طهران، والتي في الوقت نفسه يشعر الجميع بطيفها في الرمادي وسوريا، تبدو قلقة من خلال سفارتها لاحتقان الاوضاع في لبنان. فالسفارة الاميركية تراقب بقلق التطورات في عرسال، وتتابع مواقف نصرالله التصاعدية، وتبدي حرصها على وجوب ألّا ينعكس كلّ ذلك سلباً على الاستقرار الحكومي. في وقت يتّجه فيه العماد ميشال عون الى شلّ قدرة الحكومة على اتخاذ أيّ قرارات جديدة بسبب ملف التعيينات الأمنية.