الإعدام الجماعي لـ21 مواطنا مصريا على يد سفاحي تنظيم “داعش” في ليبيا، يعكس مستوى المرض الذي وصلت اليه الحالة الليبية، ووقوف الدولة بمكوناتها الاجتماعية والسياسية على عتبة التمزيق في حال عدم تشكيل حكومة وحدة تنقذ البلاد.
ليس مفاجئاً حلول “داعش” على السواحل الليبية، فحيث الفوضى والنزاعات الداخلية والتمويل الخارجي، تنثر بذور التنظيم لتهميش البنية المركزية المتآكلة أصلا، واستخدام لاعبين إقليميين هذه الدول كمسرح لشراء نفوذ وأوراق للمقايضة فوق النيران الملتهبة. فليبيا لديها اليوم “العناصر نفسها لتنزلق الى الحضيض الذي نشهده في العراق وسورية” وفق ما حذّر المبعوث الدولي برنارد ليون، مستدركا ان الفارق الوحيد بين طرابلس من جهة ودمشق وبغداد مِن جهة أخرى هو ان ليبيا تقف “على بضعة أميال عن أوروبا.”
الموقع الجغرافي لليبيا والـ 400 كلم التي تفصل طرابلس عن السواحل الإيطالية قد تنقذ “بلاد الثوار” من التحول معقلا للارهابيين وخصوصا مع دق القارة الأوروبية ناقوس الخطر حول داعش بعد اعتداءات باريس وبروكسيل وكوبنهاغن نهاية الاسبوع. فلا أوروبا ولا مصر أو الجزائر أو المغرب او تونس، قادرة على احتواء فرع جديد لملثمي “الدولة” في حديقتها الخلفية.
وإن كانت الولايات المتحدة ورئيسها الدائم التردد باراك اوباما متحفظة عن العودة عسكريا الى ليبيا، فالواقع مختلف بالنسبة الى الاوروبيين والجيش المصري الذي نفذ ضربات جوية بعد جريمة الأمس، فيما لوحت إيطاليا بتحرك عسكري. أما واشنطن فاستعجلت الحل السياسي وطالبت القاهرة بإبلاغها بأي تحرك عسكري، وأقرت ضمنا بتراجع نفوذها والاتكاء على الامم المتحدة. ويشير مسؤول أميركي الى ان إشكالية التمويل والتسليح من دول اقليمية لميليشيات ليبية فتحت الباب امام “داعش” اليوم، ويقول ان هذا الامر فاقم “كثيرا الأزمة ونحن أبلغناها (هذه الدول) بذلك”.
إلا ان القوة العسكرية وحدها والضربات الجوية غير قادرة على إنقاذ ليبيا وسط تشرذم البلاد بين حكومتين ومجلسي نواب وتطرف أقصى الحكومة الوطنية في طرابلس الصيف الفائت، وفتح النافذة لارهاب ضد مدنيين وصحافيين وبعثات اجنبية وفنادق وصولا الى إعدام المواطنين المصريين. هذا الانقسام الداخلي في ليبيا قد يفرض نفسه بشطر البلد بين شرق وغرب، وخصوصا في حال عدم التوصل الى حكومة وحدة وطنية ومصالحة بين التنظيمات المتنازعة. هذه الحكومة، مع استراتيجية عسكرية وبرعاية دولية وإقليمية لمنع “داعش” من إيجاد منفذ على المتوسط، هي السبيل الوحيد للحفاظ على ما تبقى مِن النسيج المركزي لليبيا.
فليبيا، أغنى دولة نفطية في القارة الافريقية وبين العشر الاوائل عالميا، غير قادرة على بناء جيش كفؤ اليوم لدحر ميليشيات ومقاتلين ممولين من الخارج. هذا الواقع وفي حال عدم استدراكه دوليا واقليميا وفي حكومة جامعة وخريطة طريق وطنية، سيشرع شواطئ المتوسط أمام “داعش” ويطوي صفحة الدولة الليبية كما عرفناها في العقود السبعة الفائتة.