Site icon IMLebanon

“داعش” يهدّد عرسال بمصير تدمر!

ما هو المستقبل الغامض الذي ينتظر الرئيس بشّار الأسد، في حال سقوط النظام الذي بناه والده الرئيس حافظ الأسد منذ 12 تشرين الثاني 1970؟

هل يمكن أن يلجأ الى ايران، مثلما فعل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، الذي لجأ الى السعودية هرباً من الجماهير الغاضبة؟!

أم أنه سيرفض التنازل عن النظام الحزبي الذي دفع ثمنه حتى اليوم أكثر من مئتين وخمسين ألف قتيل، بينهم 85 ألف عسكري ومدني ينتمون الى الطائفة العلوية.

الصحف الباريسية إدّعت أن الاسرائيليين نصحوا بشار الأسد، عبر وسطاء فرنسيين، بضرورة الانسحاب من دمشق الى اللاذقية، ما دام الجيش النظامي قادراً على تأمين إنتقاله بحماية الطيران.

وذكرت تلك الصحف أن النصيحة الاسرائيلية جاءت عقب احتلال “تنظيم الدولة الاسلامية” للرمادي في العراق… ومدينة تدمر في سوريا، وإستعداده لمواجهة قوات الأسد المسيطرة على المحافظات الواقعة غرب البلاد.

وكان من الطبيعي أن تثير السهولة التي تمت فيها عملية الاستيلاء على المدينة وقلعتها التاريخية دهشة المستغربين والمتسائلين حول أسباب إختفاء الطيران الحربي الاميركي والايراني من سماء تلك المنطقة!

وذكرت وكالات الأنباء أن جنود الجيش السوري النظامي هربوا من المدينة تجنباً للصدام مع الغزاة على الرغم من أعدادهم المتفوقة، ومعداتهم العسكرية الكثيرة والمتنوعة، وفي خلال يومين فقط نجح “تنظيم الدولة الاسلامية”في السيطرة على المدينة، مثلما سيطر على مدينة الرمادي في العراق. والمؤكد أنه في الموقعَيْن إستولى على كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة.

ويُستدَل من طبيعة الأخبار التي نشرتها الصحف الاميركية أن إدارة اوباما كانت مقتنعة بانهيار “داعش”. ويرى العسكريون في إخفاق الادارة شهادة على فشل الغارات الجوية الاستعراضية، وعلى إنقطاع واشنطن عن الواقع في ميادين القتال.

وترى الحكومة الفرنسية أن الموقف الاميركي الرسمي لا يوحي بالثقة والاطمئنان، كونه ينظر الى أزمات المنطقة بعيون ايران لا بعيون الدول العربية. والدليل على ذلك أن الجيش الاميركي باشر قبل مدة برنامج تدريب مقاتلين من المعارضة السورية في تركيا. وقد فسرت الادارة هذا البرنامج بأنه يستهدف القضاء على “داعش” وليس على النظام السوري. ولكن الأحداث أثبتت عكس ذلك. ثم تبيّن أن واشنطن بدأت بتدريب نواة جيش وطني في الأردن، على أمل أن يلعب دوراً مهماً خلال المرحلة الانتقالية.

وربما توقعت الادارة الاميركية إنهيار النظام السوري مطلع هذه السنة بسبب الخسائر العسكرية التي مُنيَت بها قوات الأسد، أو بسبب الدعم الذي حصلت عليه المعارضة من دول إقليمية مثل تركيا وقطر. علماً أن هاتين الدولتين تتهمان النظام السوري بالتحالف الضمني مع “داعش”لأن زحفه المتواصل يصعب تحقيقه من دون تغاضي قوات الأسد وتساهلها.

يقول المراسلون إن الأمثلة على تناغم “النظام”و”التنظيم” كثيرة، وخصوصاً بعد إجتياح تدمر والاستيلاء على مناطق الريف الشرقي لمحافظة دير الزور ومدينة “البوكمال”المتاخمة للعراق. وهناك مَنْ يزعم أن محاربي “الدولة الاسلامية” قد أحكموا سيطرتهم على أكبر حقول النفط في تلك المنطقة.

يُجمع المراقبون على القول إن تنظيم “الدولة الاسلامية”لا يمكنه التوجه نحو بغداد، والمناطق الشيعية في جنوب البلاد، قبل إنهاء مهمته في سوريا، الدولة المنهَكة والمعتمدة على مقاتلي “حزب الله”. وهذا ما يفسر عودة الحرارة الى بلدة عرسال وجرودها الممتدة على مساحة أربعمئة كلم مربع. وهي بلدة سنيّة مستنفرة دائماً إثر خطف عشرين عسكرياً لبنانياً في الصيف الماضي. وقد حذر رئيس الحكومة تمّام سلام من مخاطر العبث بهذه الجبهة الحساسة، حيث يجتمع ثمانون ألف نازح سوري وخمسة وثلاثون ألف مواطن لبناني، وسط منطقة جبلية وعرة يستغلها الارهابيون وسواهم.

الأهمية التي يوليها “حزب الله” لبلدة عرسال تكمن في موقعها الاستراتيجي المميز. وفي حسابات قادته، أن سقوط هذا الممر الحيوي الوحيد سيمنع وصول الصواريخ والأسلحة الايرانية الى البقاع وبعلبك في حال إستولت عليه “داعش”أو “جبهة النصرة”. أي الأسلحة التي تنقل من ميناء اللاذقية، والتي تواجه عملية تمريرها صعوبات جمّة بسبب إستيلاء “داعش”على المعابر الواقعة بين العراق وسوريا.

ويرى العسكريون أن تنظيم “الدولة الاسلامية”يطمح الى تفكيك قواعد الهلال الشيعي، من طريق فصل الجبهة العراقية عن الجبهة السورية. وتظهر الخريطة الاستراتيجية التي إستكملت بعد إحتلال الرمادي وتدمر، أن معابر الحدود أصبحت خارج السيطرة السورية أو العراقية. ومعنى هذا أنه لم يعد لجيش بشار الأسد أي وجود مؤثر سوى داخل منظومة المحاور الغربية التي تربط بين دمشق وجبال القلمون. ومن هناك يمتد نفوذه الى محافظة اللاذقية التي تعتبر المعقل المركزي للنظام.

الصحف الفرنسية تتحدث عن تجمعات داعشية إستعداداً لشن هجوم واسع، يبدأ بعزل اللاذقية من الجنوب، ومهاجمة حماة بهدف الوصول الى منطقة مصياف في الساحل.

وتشير هذه الصحف الى وضع قاتم بالنسبة للعلويين القاطنين في العاصمة، خصوصاً في حال عُزِلت دمشق، ووجد هؤلاء أنفسهم غير قادرين على الانسحاب الى جيب الأقليات في اللاذقية. ويبدو أن غالبيتهم قد إنسحبت الى قرى علوية منتشرة حول حمص، وصولاً الى مدينة طرطوس.

أما بالنسبة الى توقيت الهجوم الواسع، فان الاعلام الفرنسي يشدد على فترة أشهر الصيف، أي عندما ينشغل “حزب الله”في عرسال وجوارها.

كان رئيس وزراء العراق حيدر العبادي يعوِّل كثيراً على مؤتمر باريس، وما يحمله التحالف الدولي من مقترحات عملية لمواجهة تمدد “داعش”في العراق وسوريا.

ثم جاء البيان الختامي ليثبت أن هناك دولاً كبرى تستفيد من القلق الدائم الذي يحدثه تنظيم “داعش”في العالمَيْن العربي والاسلامي… وأن ايران تبرر تدخلها، في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن والعراق، بحجة الدفاع عن حلفائها وأنصارها.

وهكذا تصبح “الدولة الاسلامية”السنيّة حاجة ضرورية لتبرير الحروب في المنطقة!