لم تأت جولة النائب وليد جنبلاط الى مناطق حاصبيا وراشيا من فراغ، بل هي استكمال للجولات التي قام بها على معظم المناطق الدرزية في الجبل فهو وفق أوساط درزية في سباق مع العاصفة المتمثلة بالوحش التكفيري المعروف بـ«داعش» حيث تشير الوقائع الى ان جنبلاط يجهد لمنع وقوع فتنة سنية – درزية ويخاف ان تكون شبعا بوابة عرسالية .
وتضيف الاوساط ان جنبلاط المشهود له باستشراف آفاق المرحلة وقراءة علامات الازمنة يرى ان الحرب المرتقبة على «داعش» من التحالف الدولي ليست سوى مزحة سمجة كون التنظيم التكفيري تم تصنيعه في الاقبية الغربية وادارته بجهاز تحكم عن بعد مما يخدم المصلحة الاسرائيلية قبل كل شيء. واذا كان الزعيم الجنبلاطي قد شدد على «ان الدروز مسلمون وساعون لبناء جامع المختارة» فان كلامه هذا لن يلقى صدى في اسواق تنظيمات التكفير حيث لا تعترف الدولة الاسلامية في العراق والشام باهل السنة المنفتحين ولا بالدروز او الشيعة او المسيحيين، فكل من لا يخضع لشريعة «داعش» هو كافر في مفهوم التنظيم ويحلل دمه.
وتقول الاوساط ان جنبلاط نجح في تمتين وتحصين الوحدة الدرزية من خلال ترتيب البيت الداخلي حيث لا مكان للمناكفات والمماحكات طالما العدو التكفيري بات على تماس مع القرى الدرزية في جبل الشيخ واذا ما سقطت بلدة حضر وما يجاورها من بلدات درزية فهذا سيفتح الباب واسعاً امام شريط للـ«النصرة» يمتد عبر الحدود من الجولان المحتل وصولاً الى شبعا في لعبة خططت لها اسرائيل لحشر الدروز بين التعاون معها او وضعهم تحت السيوف «الداعشية». وربما ترتيب البيت الدرزي من الداخل هو اهم خطوط الدفاع عن الطائفة لا سيما ان جنبلاط وغيره من زعماء الجبل تعلموا درساً من معركة »عين دارة» في الصراع الدرزي التاريخي بين قيسية ويمنية كانت نتائجها ويلات على الموحدين الدروز في اللعبة السياسية وامتداداتها.
ولعل اللافت انه بموازة الحراك الدرزي في سبيل رص الصفوف يبدو في المقلب المسيحي امر مغاير حيث لا يزال الزعماء الموارنة على تناحرهم الذي ينحسر على القواعد الحزبية والشعبية ما يعطي صورة سوداوية لمستقبل المسيحيين في آخر معاقلهم، حيث تخشى مصادر مسيحية ان يكونوا آخر الهنود الحمر في الشرق المترامي على حافة السكين، لا سيما ان المسيحيين في العراق اقتلعوا من الموصل ومن نينوى وبقية المدن العراقية التي اجتاحها تنظيم «داعش».
ففي الوقت الذي بات لبنان في عين العاصفة وبدلاً من ان يسعى الاقطاب الموارنة الى توحيد الكلمة ورص الصفوف فانهم يلجأون الى المزايدات بين بعضهم البعض على حدّ قول المصادر، فالعماد ميشال عون يضع في سلم اولوياته الاستحقاق الرئاسي وكأن البلد يعيش في القارة الاوروبية، بينما اصوات معارك عرسال تصل اصداؤاها الى بيروت، اما الرئيس امين الجميل فيعيش نفس هواجس الجنرال من خلال العمل للوصول الى كرسي الرئاسة، اما نجله سامي فقد جال في بعض بلدات عكار المسيحية وكانت له محطة اولى في منيارة والمحطة الثانية في القبيات حيث القى كلمة تحمل في ثناياها تشجيع المسيحيين الخائفين، علماً ان القبيات وعندقت لا تعرفان الخوف وقد صمدتا في عز الحرب الاهلية في وجه الجحافل التي حاولت اقتحامهما وسقطوا على ابوابهما.
وتسأل المصادر المسيحية ماذا عن دور رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في هذه المرحلة حيث يتفرغ لتنظيم «القوات» كحزب حديدي، معتبراً ان «داعش» لا تشكل خطراً على البلدات المسيحية بل يستعملها البعض كفزاعة لتعويم نفسه سياسياً في وقت اعلن فيه ان اكثر من «داعش» مرت على المسيحيين ودحرت جميعها. فماذا يخبىء جعجع لا سيما انه قال في احدى المناسبات: اذا وصل «داعش» الى لبنان ستكون مقبرته هنا. كما سألت المصادر هل من اوراق مخفية في جعبة الحكيم لا يبرزها الا في حالة الضرورة القصوى، لا سيما انه في الاحداث اللبنانية نجح في اقامة دولة مسيحية وحكمها بقبضة من حديد.