IMLebanon

«داعش».. وتبرير الحملة على عرسال

ليس تبخّر «داعش» من الموصل الحدث الاوّل الغريب الذي تشهده المنطقة الممتدة من العراق، الى سوريا، الى لبنان. سبق لـ«داعش» ان ظهر في تدمر ثم اختفى. عاد وظهر ثانية في تلك المدينة الاثرية كي يختفي مرّة أخرى في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها غامضة.

في كلّ مرّة ظهر «داعش»، كان هناك بحث عن سبب يبرّر هذا الظهور وذلك منذ استطاع التنظيم السيطرة على الموصل، ثاني اكبر مدينة عراقية، قبل ثلاث سنوات. كان نوري المالكي رئيسا للوزراء العراقي وقتذاك. كان يجمع بين رئاسة الوزارة وكلّ المواقع ذات الطابع الأمني والعسكري في البلد. استطاع ستة آلاف مقاتل من «داعش» اجتياح الموصل التي كان يدافع عنها نحو ثلاثين الفا من القوات العراقية المختلفة، من جيش وشرطة وقوات خاصة وما شابه ذلك. كان هؤلاء مسلّحين تسليحا جيّدا.

لجأ الذين أرادوا تفسير السهولة التي سيطر بها «داعش» على الموصل الى انّه وجد حاضنة

مذهبية مواتية له واستفاد خصوصا من خبرات جنود وضباط كانوا في الجيش العراقي الذي امر بحلّه بول بريمير عندما كان مفوضا اميركيا ساميا للعراق بعد الاحتلال الاميركي في العام 2003.

بعد حرب استمرّ الاستعداد لها ثلاث سنوات، استعادت القوات العراقية الموصل من «داعش». كانت السنوات الثلاث تلك كافية كي يتشكل «الحشد الشعبي» من ميليشيات تابعة لاحزاب مذهبية عراقية تابعة بدورها لإيران، وكي يصبح معظم الموصل ارضا طاردة لاهلها. توّج «الحشد الشعبي» انتصاره على الموصل بمشاركته في عرض عسكري أقيم في بغداد احتفالا بالانتصار على «داعش». تأكّد ان «الحشد الشعبي» صار جزءا لا يتجزّأ من الدولة العراقية الجديدة التي اقامتها ايران في العراق. صار في استطاعة مسؤولين إيرانيين القول ان الجيش العراقي في طريقه الى ان يصبح «جيشا عقائديا»، أي جيشا ملحقا بـ«الحشد الشعبي» الذي يؤمن قادته بنظرية ولاية الفقيه.

تحت عنوان عريض اسمه «داعش»، استطاعت ايران الاقدّام على خطوات كبيرة على طريق إعادة بناء الدولة العراقية بما يناسب طموحاتها. كان خلق «داعش» بمشاركة من النظام السوري ذي الخبرة القديمة في تجارة الإرهاب والاستثمار فيه ذا فوائد كثيرة بالنسبة اليها. اكثر من ذلك، استطاعت ايران التي تسعى الى تدمير الموصل جلب الولايات المتحدة الى المعركة التي استهدفت في نهاية المطاف تحقيق انتصار على المدينة. كانت الموصل تمثل في الماضي الفسيفساء العراقية. صارت الآن مجرّد مدينة مهجورة يبحث أهلها عن مكان آمن يلجأون اليه. لا اسرار عندما يتعلّق الامر بكيفية سيطرة «داعش» على الموصل، وذلك بعدما تأكّد انّ القوات العراقية التي كانت مكلّفة حماية المدينة في العام 2014 انسحبت من دون مقاومة لـ«داعش». بل كان انسحابها منظّما. السرّ الكبير الآن ما الوجهة المقبلة لـ«داعش» وهل تجري عملية احياء ل«داعش» تحت اسم آخر بعدما أدى التنظيم المهمّة المطلوبة عراقيا؟

في مرحلة معيّنة، لم يكن كلام في سوريا سوى عن وجود «داعش» في تدمر وعن تدمير آثار المدينة. جاء «داعش» الى تدمر، انسحب «داعش»، عاد «داعش»، اختفى «داعش». كان مطلوبا في مرحلة معيّنة اظهار النظام السوري في مظهر من يقاتل الإرهاب، لذلك جرى استحضار لـ«داعش». لم يوجد «حتّى، من يقصف قافلة مقاتليها التي اجتازت مسافة طويلة في ارض مكشوفة في الطريق الى تدمر. كما في الموصل، كان انسحاب القوات التابعة للنظام السوري من تدمر منظّما». خدم «داعش» النظام السوري في وقت كانت هناك إدارة أميركية برئاسة باراك أوباما لا همّ لها سوى استرضاء ايران. ادّى «داعش» الخدمة التي وجد من اجلها، بعدما عثرت إدارة أوباما على مبرّر لتفادي توجيه ضربة للنظام السوري الذي استخدم السلاح الكيميائي والبراميل المتفجّرة في الحرب التي يشنّها على شعبه. لم تكن روسيا غريبة عن كلّ ما حصل، ذلك انّ تدخلها المباشر في سوريا من اجل محاولة انقاذ النظام كانت تحت عنوان «الحرب على الارهاب»، متجاهلة من يصنع الإرهاب ولماذا هناك صناعة من هذا النوع.

في لبنان، كان «داعش» كتنظيم إرهابي من صنع النظام السوري موجودا في كلّ وقت وذلك تحت مسميات مختلفة. في ربيع العام 2007، وفي سياق الحرب على مؤسسات الدولة اللبنانية والمحاولات الهادفة الى تغطية جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ظهر فجأة تنظيم اسمه «فتح الإسلام». حط الفلسطينيّ شاكر العبسي الخارج من السجون السورية في مخيّم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، وهو غير بعيد عن مدينة طرابلس. بدأ الكلام عن دعم من»تيّار المستقبل«للعبسي وجماعته من اجل تصوير سنّة الشمال بانّهم «ارهابيون». كانت هناك محاولة واضحة لايجاد شرخ سنّي ـ مسيحي في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج القوّات السورية من لبنان. بدأت بعض وسائل الاعلام ذات الانتماء المعروف تتحدّث عن»امارة إسلامية«في منطقة شمال لبنان!

ما لبثت الامور ان تكشّفت بعد إصرار الحكومة اللبنانية، وكانت وقتذاك برئاسة فؤاد السنيورة، على القضاء على»فتح الإسلام«وذلك على الرغم من اعلان الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله في خطاب علني ان مخيّم نهر البارد»خط احمر«. دفع الجيش اللبناني ضريبة عالية ثمنا للانتصار على «فتح الإسلام». سقط له ما يزيد على مئة وسبعين شهيدا وعشرات الجرحى في حرب استمرّت ثلاثة اشهر ونصف شهر. انتصر الجيش في تلك الحرب على الرغم من إمكاناته المتواضعة. لقي دعما من العرب الشرفاء مثل دولة الامارات العربية المتّحدة التي ساعدت في تطوير طائرات هليكوبتر من نوع «بوما» وتمكينها من قصف الإرهابيين الذين سيطروا على المخيّم تحت تسمية «فتح الإسلام». كانت تلك حرب واضحة المعالم والهداف. اختفى بعدها شاكر العبسي، تماما كما ظهر، اذ عاد الى المكان الذي اتى منه، أي الى أحضان النظام السوري. حصل ذلك بقدرة قادر. اين شاكر العبسي الآن، هل انتهى مع انتهاء المهمّة التي كان مكلّفا بها؟

من «فتح الإسلام»… الى «داعش». لم يتغيّر شيء. السؤال هل يستخدم «داعش»لتبرير حملة على بلدة عرسال اللبنانية بما يرضي النظام السوري وايران الساعية الى اثبات انّها لا تزال لاعبا في سوريا؟

ليس معروفا متى ستنتهي صلاحية «داعش». المعروف انّ لا فائدة تذكر من أي معالجة لموضوع «داعش» من دون الذهاب الى الجذور، أي الى الذين اوجدوا «داعش» واستثمروا فيه. انّهم نفسهم الذين اوجدوا قبل ذلك «فتح الإسلام» لا اكثر ولا اقل…