لم يُعرف عن مسيحيي لبنان ودروزه انهم شاركوا في قتال تنظيم «داعش» في سوريا أو العراق. لكن التنظيم الإرهابي وجّه اوامره لخلاياه باستهداف أبناء الطائفتين. اخطر ما في المعلومات المتوفرة للاجهزة الامنية ان التنظيم يريد تهجير لبنانيين من مناطقهم وقراهم، واغتيال سياسيين، على رأسهم النائب وليد جنبلاط
يتغنّى وزير الداخلية نهاد المشنوق، في زياراته الخارجية واللقاءات الصحافية التي يجريها، بأن لبنان ربما يحتل المركز الاول عالمياً في مجال الأمن الاستباقي المكافح للإرهاب. يُعبّر كثيرون عن كون المشنوق يبالغ في كلامه؛ فإنجازات الأمن الوقائي لا تظهر للعيان إلا على شكل بيانات.
لكن جردة حساب واقعية، تُظهر فعلاً أن الأجهزة الأمنية اللبنانية أحبطت في الأشهر الماضية عدداً كبيراً من العمليات الإرهابية، وحالت دون وقوعها، من خلال تفكيك شبكات تابعة لتنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة». أبرز تلك العمليات كان تنظيم «داعش» يعدّ لتنفيذها في شهر رمضان الماضي. وكان يمكن لها، فيما لو وقعت، أن تمثّل «11 أيلول اللبناني». أراد التنظيم أن يفجّر في وقت واحد مجمعاً تجارياً، وكازينو لبنان، وغير أمكنة شعبية وسياحية في بيروت والضواحي وعدد من المناطق. لكن استخبارات الجيش تدخّلت في الوقت المناسب، وأوقفت الخلية التي أعلِن عنها في بيان رسمي نهاية حزيران الماضي، من دون أن تُكشَف جميع التفاصيل المتصلة بالخلية، ربطاً بخلايا أخرى لا تزال قيد المتابعة في جرود عرسال. وفي هذه الجرود، نفّذ الجيش أكثر من عملية أمنية، في تكثيف للعمل الاستخباري على مدى الأشهر الماضية، استهدفت رؤوس المجموعات الإرهابية، كان آخرها توقيف طارق الفليطي وقتل سامح البريدي قبل أسبوعين. حتى أمير «جبهة النصرة» أبو مالك التلي تعرّض لأربع محاولات استهداف من قبل الجيش.
في إحداها، سقط الصاروخ على مقربة من سيارته، بعدما أبطأت سرعتها بسبب مرور سيارة في الاتجاه المعاكس، صدفة. وهذه العملية مصوّرة بدقة، فيما ألغى الجيش ثلاث عمليات لاستهدافه: في واحدة منها، توافرت معلومات دقيقة وموثقة (من مصادر بشرية وتقنية) عن وجود نساء وأطفال في المنزل الذي كان يعقد فيه اجتماعه؛ وفي ثانية، انطلقت مجموعة التنفيذ، وتم تحريك طائرتين، واحدة للمراقبة، وأخرى (من نوع سيسنا) للتدخل. لكن الاحوال الجوية التي تبدّلت منعت طائرة المراقبة من الاستمرار في مراقبة المكان الذي كان يُنتظر وصوله إليه. أما في الرابعة، فتبين أن إحداثيات مكان وجوده لم تكن دقيقة. خلاصة الأمر أن أمير «جبهة النصرة»، أبو مالك التلي ــ المسؤول المباشر عن عمليات قتل عشرات اللبنانيين، وعن إعدام عسكريين أسرى، وعن اجتياح بلدة عرسال وخطف عسكريين وأمنيين وقتل آخرين في الهجوم بعضهم قضى ذبحاً، وعن قتل عدد من أبناء بلدة عرسال ونازحين سوريين وصلب بعضهم في الجرود، والقائد الفعلي للقوات الإرهابية التي تحتل الجرود اللبنانية ــ يخصع للملاحقة الحثيثة من الجيش.
ما سبق يبقى أقل خطورة من المعلومات التي وردت إلى الأجهزة الأمنية، والتي تؤكد المصادر أنها باتت في حكم المؤكدة، بعدما تمت مقاطعتها بأكثر من طريقة. وتشير هذه المعلومات إلى أن قيادة العمليات الخارجية في تنظيم «داعش» في الرقة، أصدرت أمراً إلى مجموعات تعمل في لبنان بوجوب تركيز العمل على استهداف مناطق تقطنها غالبية مسيحية، إضافة إلى مناطق يسكنها أبناء الطائفة الدرزية. كذلك فإن أوامر «الرقة» تطلب استهداف النواب والوزراء والسياسيين الدروز، وعلى رأسهم النائب وليد جنبلاط. وتلفت المصادر إلى أن تعليمات «داعش» تشير إلى أن تنفيذ عمليات ضد المسيحيين والدروز سيكون له وقع إعلامي وعملي أكبر بكثير من العمليات السابقة. ويؤكد مسؤول أمني أن التنظيم الارهابي، فيما لو نجحت عملياته، لم يكن يهدف إلى الإيذاء وحسب، بل كان يرمي إلى دفع عدد كبير من المواطنين اللبنانيين إلى هجرة بلداتهم ومناطقهم، أسوة بما جرى مع الأيزيديين في سنجار والمسيحيين في عدد من المناطق العراقية الأخرى. وهنا مكمن خطورة ما أراده التنظيم، وأهمية العمل الأمني الاستباقي الذي تحدّث عنه المشنوق.