الحكم صدر على الفور بعد وقوع الغارة الكيميائية في خان شيخون في ريف ادلب، وتم تحميل النظام السوري المسؤولية. وهذا هو الواقع الطبيعي في ظروف الحرب المطبوخة سلفا بمقادير أميركية وصهيونية. في مثل هذه الحرب بهذه المواصفات، لا ينفع المنطق العقلي أو التحليل السياسي، بل فقط صدور حكم القوي الذي يحمّل المسؤولية دائما الى الحمل في اسفل النهر عن تعكير المياه على الذئب في اعلى النهر! وهذا هو المنطق الذي اعتمده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأصدر أوامره بتوجيه ضربة عسكرية الى هدف سوري، وجرى تنفيذها على الفور! فماذا يعني ذلك؟!
مع مراعاة التركيبة العقلية والسياسية والنفسية للرئيس ترامب يمكن فهم هذا الموقف الجديد من عدة زوايا. أولا، ان الرئيس ترامب الذي لا يزال يعاني من عقدة سلفه الرئيس أوباما، يحاول أن يثبت انه على نقيض سلفه لا يتردد، واذا قال فعل! فهي غارة عسكرية بهدف سياسي داخلي رخيص. وثانيا، هي رسالة اتفاقية شراكة مع الروس في سوريا، وحجز حصة ومقعد حول الطاولة. وثالثا، سياسة النفاق مستمرة في واشنطن، وهي توحي بأنها تعمل للتخلص من الأسد، ولكن الأفضلية الآن هي التخلص من داعش. والحقيقة معكوسة تماما… وهي ان أميركا لا تريد التخلص من داعش إلاّ وفق روزنامة تخدم استراتيجية تقسيم سوريا وتفتيت المنطقة. ثم ان هذه الاستراتيجية تستلزم بقاء الأسد في موقعه لأن رقصة التقسيم تحتاج الى طرفين: النظام، وأعداء النظام!
… والأهم من هذا وذاك، هو أن الرئيس ترامب لا يزال يتعامل بحذر شديد، وربما بتخوف أيضا، من الانفتاح على روسيا والتعامل المباشر مع الرئيس بوتين لتنفيذ ما كان يعلن عنه في حملته الرئاسية، من انه يرغب في إتباع سياسة تفاهم لا سياسة صدام مع موسكو، رغبة في تحقيق أجواء سلام في العالم، تساعد على اطلاق دينامية الاقتصاد وتفعيل الازدهار للشعب الأميركي. ويتصرف ترامب وكأنه بالع الموسى مع موسكو، فلا هو قادر على التعاون معها، ولا هو قادر على اغضابها، وكأنه مذعور من قطبة ما مخفيّة في حوزتها ضدّه.