Site icon IMLebanon

«داعش» خطّطت لـ«١١ أيلول» ضدّ «حزب الله» في الضاحية

 

مضى على الحرب الإرهابية على لبنان نحو ثلاث سنوات، وهي لا تزال متّصلة، رغم أنّها انكفأت في هذه المرحلة نتيجة نجاح الأجهزة الأمنية في تفكيك مفاصل شبكات المجموعات الإرهابية العاملة في لبنان أو «المهاجرة إليه». وعموماً، بات يمكن إجراء مراجعة تحليلية لمجمل مسار هذه الحرب، انطلاقاً من معطيات مادية متوافرة عن كيفية إدارة الجماعات التكفيرية لها، وذلك منذ العام ٢٠١٣ لغاية هذه اللحظة.

تُظهر الوقائع أنّه خلال الأعوام الثلاثة الماضية (٢٠١٣ – ٢٠١٦) شهد لبنان ٢٣ عملية انتحارية طاوَلت غيرَ منطقة فيه. ويُعتبَر عام ٢٠١٤ هو الأكثر ضراوةً، إنْ لناحية عدد العمليات التي شهدها أو لناحية ما خلّفَته من قتلى وجرحى.

وكانت «جبهة النصرة» هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ الجزء الأكبر منها. فمِن أصل 13 عملية شهدَها لبنان عام 2014 نفّذت «النصرة» ٩ منها، فيما نفّذت «داعش» عمليتين، والعدد نفسه نفّذته «كتائب عبد الله عزام» التابعة لتنظيم «القاعدة».

والملاحَظ في هذا المجال أنه خلال عام ٢٠١٤ كانت «النصرة» لا تزال تسيطر على الجزء الأكبر من الحدود السورية مع لبنان، إضافةً إلى كونها كانت تخوض في لبنان، حربَ ثأر ضد «حزب الله» الذي نجح في إزاحتها عن قواعدها الاستراتيجية في منطقة حمص.

ويلاحَظ من سِجلّ العمليات الانتحارية للعام ٢٠١٣ الذي سَبق عام الذروة، أنّ لبنان شهد خلاله عمليتين فقط، نَفّذت إحداها «كتائب عبد الله عزام» ضد السفارة الايرانية، والثانية نفّذها عنصر فلسطيني ضد حاجز للجيش اللبناني عند مدخل صيدا، وتمّ الاشتباه بأنّ له علاقة بالشيخ أحمد الأسير.

وبهذا المعنى، يمثّل ٢٠١٣ عامَ «إعلان عودة الإرهابيين إلى لبنان»، وعليه، فإنّ التفجيرات التي أقدموا عليها كانت قليلة وكانت غايتها الرئيسة تنحصر في توجيه الرسالة عن عودتهم عبر ضربات تتضمّن رسائل لجهات بعينها، فتفجير السفارة الايرانية كان رسالة لطهران ولمسؤوليتها عن بدء مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية، فيما تفجير حاجز الجيش اللبناني كان رسالة لإخافته وإرغامه على قبول « قواعد اشتباك فيها توازُن رُعب مع حركة الأسير».

تجدر الإشارة الى أنه في العام ٢٠١٣ كان موضوع دخول «حزب الله» العسكري الى سوريا مطروحاً دوليّاً وإقليمياً. وبدأت «النصرة» تدشين سياق عمليات إرهابية في لبنان تسوقها في إطار أنّها ردّ على تدخّلِه في سوريا، وتربط وقفَها بانسحابه منها. ولكن في مقابل توجّه «النصرة»، برَز موقف للبنتاغون حذّرَ أيَّ طرف مِن الرد على «حزب الله» في سوريا عبر ضرب استقرار لبنان.

ونقِل آنذاك عن نائب وزير الدفاع الاميركي المعروف بأنه قريب من الرئيس باراك اوباما قوله في محادثةٍ ديبلوماسية: «تدخَّلنا لدى الجهات المؤثّرة على المعارضة السورية لنُبلغَها أنّه ممنوع الرد العسكري على الحزب في لبنان، اعتراضاً على مشاركته العسكرية في سوريا، فكلّ من يريد قتاله، عليه فِعل ذلك في سوريا».

عام ٢٠١٤ خرَقت «النصرة» القرار الاميركي ونفّذت ٩ عمليات انتحارية ضد بيئاته الاجتماعية في لبنان، وكان يفصل غالباً بين العملية والأخرى أسابيع قليلة فقط.

ولكن مع حلول عام ٢٠١٥ تراجعَت عمليات «النصرة» (تفجير واحد في جبل محسن)، وذلك بسبب حدوث تحوّلات مهمّة داخل جبهة الإرهابيين، حيث ساد بينها صراع عسكري على قضية: «لمن تكون الأمرة في حرب الإرهاب على لبنان».

وبموجبه بدأت «داعش» بالضغط العسكري على «النصرة» في المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية، ومع نجاحها في الاستيلاء على معظم مواقعها فيها، بدأت بالظهور بوصفها هي الطرف الأهم – وليست «النصرة» – لقيادة عمليات الارهاب على الساحة اللبنانية.

ومنذ ذلك الحين وقفَت «داعش» وراء ٩٠ في المئة من العمليات الارهابية في لبنان، بدءاً من تفجير برج البراجنة في ١٥ كانون الثاني ذاك العام، وحتى سلسلة التفجيرات التي نفّذتها في يوم واحد (٢٦ حزيران الماضي) في بلدة القاع.

وتَجدر الملاحظة أنّ انتقال ثِقل المسؤولية عن التفجيرات من «النصرة» الى «داعش»، تزامَن مع تطوّر على الحدود اللبنانية – السورية يبرّر السبب، وهو انتقال السيطرة على جزء الأكبر من هذه الحدود من «النصرة» إلى «داعش».

خلال شهر رمضان هذا العام، كانت «داعش» خَططت لأن تكرّر في لبنان مشهد العمليات الارهابية المكثّفة نفسه الذي نفّذته «النصرة» عام ٢٠١٤، لتؤكّد بحسم أنّها هي الجهة الممسكة بناصية قرار الإرهاب على الساحة اللبنانية.

وكانت «داعش» تحتاج إسناد هذه الصفة لها، لأنه يَخدم خطتها بتوسيع ساحة الاشتباك في اتجاه لبنان والخارج، لتخفيف الضغط الدولي العسكري عنها في سوريا والذي أصبح له خلال هذا العام تعبيرات عملية أكثر جدّية على الارض.

ووفقَ معلومات مستقاة من تحقيقات مع موقوفين تابعين لها، فإنّ «داعش» كانت قد خططت لتنفيذ ثلاث عمليات نوعية ومركزية في لبنان خلال شهر رمضان الماضي؛ وأرادت أن تحقّق كلُّ واحدة منها هدفَ توجيه ضربة بنيوية إلى القطاع الاقتصادي أو البيئة الاجتماعية التي تستهدفه.

في العملية الأولى أرادت شنَّ هجمات انتحارية كبرى على كازينو لبنان لتعطيل قطاع مهمّ داخل مصادر ثروة البلد السياحية الاقتصادية، والثانية خَططت لاستهداف الشارع الأبرز في العاصمة لجهة حجم مرتادي مقاهيه الذين يُعدّون بالآلاف كمعدّل شهري، والهدف منها ضرب الحياة السياحية في البلد وليس فقط قطاعاته، كما ورَد في خبر عابر على موقع إلكتروني يخصّ «داعش».

أمّا في العملية الثالثة فأرادت استهداف الضاحية الجنوبية بتفجير انتحاري كبير بزِنة ٣ طن من المتفجّرات. كانت تتوسّل هذه العمليةُ تحقيقَ صدمتين للبيئة الاجتماعية لـ«حزب الله» ولقيادته الأمنية؛ الاولى تقع في أسلوب تنفيذها، حيث كانت الخطة تقضي بإرسال هذه العبوة الكارثية الى الضاحية بسيارة توحي بأنّها تابعة لمؤسسة طبّية، ما يسَهّل مرورها عبر حواجز مداخل الضاحية ومفاصيل طرقِها إلى عمقها الشعبي.

والصدمة الثانية كانت ستتجسّد من خلال حجم التدمير الهائل الذي كان سيخلّفه تفجير٣ طن من المتفجّرات وسط منطقة شعبية، وتوقُّع أن يترك ذلك تأثيراً بالغاً على بنية الحزب الاجتماعية وعلى قيادته السياسية. ثمّة مقاربات رأت أنّ «داعش» من خلال هذه العملية، كانت تريد استهداف «حزب الله» بـ«١١ أيلول» يحاكي في مفاعيله وصدمته ١١ أيلول الأميركي.

فشلت «داعش» في تنفيذ أيّ من هذه العمليات، وردّت في حزيران الماضي بعملية تعويضية في بلدة القاع، تمثّلت في تنفيذ سلسلة عمليات في يوم واحد، نفّذها ستة انتحاريين على دفعتين.

تشبه العمليات التي كانت تنوي «داعش» تنفيذها هذا العام في لبنان وفي أكثر من جانب منها، عملياتها التي نفّذتها أخيراً في اوروبا، خصوصاً في فرنسا؛ ما يؤشّر الى أنّ هدف «داعش» من ورائها كان واحداً، وهو الردّ على تعاظم الاتّجاه الدولي لضربها في سوريا، والتحذير من أنّها سترد في ساحات يريد المجتمع الدولي إبقاء الاستقرار الأمني فيها مصاناً.

إمتاز تخطيط «داعش» للعمليات التي كان ينوي تنفيذها هذا العام في لبنان خلال شهر رمضان بالآتي:

أ- بالنسبة إلى عملية كازينو لبنان، فإنّ الشخص الذي وضَع ترتيبات تنفيذها اللوجستية هو «الياس. و». ويشاع أنّ «داعش» تقصَّدت أن تنهي عملية تضليلِه وتكليفه بالمهمة الإرهابية. والهدف من ذلك هو حرمان القوى الأمنية من الفترة الزمنية اللازمة لمراقبة تحوّل سلوكه وقناعاته، ما يَجعله بمنأى عن المراقبة الأمنية، وهذا عنصر مهم في تأمين عنصر المفاجأة لنجاح أيّ عملية. وللمقارنة فإنّ أكثر ما تشكو منه أجهزة الامن الغربية في هذه المرحلة هو اعتماد «داعش» على عنصر من غير بيئاته، يورَّط في عمل إرهابي بعد إجراء عملية غسل سريعة لتفكيره الايديولوجي ولقناعاته.

وهؤلاء يصطلح داخل أجهزة الأمن على تسميتهم بـ»الذئاب المرقّطة»، في إشارة الى أنّهم لديهم قدرة على تضليل أرشيف بيانات الاجهزة الامنية التي تخزن أسماء الارهابيين الحقيقيين، وحتى المحتملين. ويبدو أنّ «داعش» تزيد من اعتمادها على الذئاب المرقّطة لتحقيق مفاجأة أجهزة الأمن في الساحات التي ترغب بالعمل فيها.

ب – ثمّة تتمّة لحالة التشابه بين عمليات «داعش» في باريس وبلجيكا وتلك التي كانت تُخطّط لتنفيذها في لبنان وحتى تلك التي نفّذتها في القاع؛ ويقع الشَبه في أنّها عمليات مركّبة وتعتمد على إرهابيين انغماسيين يفجّرون أنفسَهم بالتتالي، ويحتجزون في الوقت ذاته رهائن في أماكن لها رمزيتُها، كالكنائس.

ثالثاً – يمكن القول إنّ عام ٢٠١٦ كان عامَ فشلِ «داعش» في لبنان، وأيضاً عام انكفاءِ «النصرة» عن ساحته. وهناك غير سبب لانكفاء الاخيرة، فبالإضافة إلى سبب انحسار وجودها لمصلحة «داعش» على الحدود السورية مع لبنان، هناك ايضاً سبب جوهري آخر يتعلق بالتزام أبو محمد الجولاني لإعطاء اولوية لجهد «النصرة» في لبنان، بالعمل على تنفيذ فتوى لأيمن الظواهري الذي تربطه به علاقات وثيقة وتوحد معه ضد البغدادي. ومضمون فتوى الظواهري كان صدرَ بدايات هذا العام، وعاد الظواهري ليعلنه في رسالته تحت عنوان «احمل سلاح الشهيد» قبل نحو ثلاثة أشهر، وبثّها عبر شريط فيديو على موقع «السحاب» الإعلامي الناطق باسم «القاعدة»، ودعا فيها فروع «القاعدة» في بلاد الشام والمغرب وشِبه الجزيرة الهندية الى إيلاء اهمّية لخطفِ غربيين ومعادين، ومبادلتهم بأسرى مجاهدين، ولا سيّما النساء منهم.

وكان لافتاً أنّ الظواهري شَكر في هذه الرسالة الجولاني، لأنّه بادل في لبنان مجاهدين خصوصاً مجاهدات، بجنود لبنانيين؛ ما يؤكّد أنّ قرار إتمام صفقة المبادلة بالنسبة إلى الجولاني كان في الدرجة الأولى تعبيراً عن التزامه بفتوى الظواهري.