خالفَت نتائج الانتخابات الإسرائيلية كلّ التوقّعات وفجَّرَت مفاجأةً كبيرة ساهمَت في خَلط بعض الأوراق.
صحيحٌ أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما تلقّى صفعةً قوية من الناخب الإسرائيلي الذي اقترَع في بعض الجوانب ضدّ سياسة واشنطن تجاه إسرائيل، لكنّ ذلك لن يؤدي إلى تعديل في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، لا بل على العكس.
ذلك أنّ طهران التي تعيش أجواءَ إنجاز الاتفاق، كانت تسعى إلى المماطلة في التوقيع حتى نهاية حزيران بذريعةِ تمسّكِها بمبدأ إزالة العقوبات دفعةً واحدة، فيما هي تريد من هذه المسافة الزمنية تحقيقَ مزيدٍ من المكاسب على الأرض بغية امتلاك أكبر قدرٍ مِن الأوراق لوضعِها على طاولة التفاوض حولَ ساحات المنطقة فور إنجاز توقيع الملف النووي.
لكن مع عودة بنيامين نتنياهو اختلفَت الحسابات. ذلك أنّ رئيس الحكومة الاسرائيلية الذي لم يتردَّد في مهاجمة أوباما في عقر داره بهدف إجهاض الاتفاق، سيعاوِد هجومَه متسلّحاً بالتفويض الشعبي الذي حصَل عليه.
وعندما أمرَ نتنياهو باستهداف السيارة التي كانت تقلّ مجموعة كوادر «حزب الله» والجنرال الإيراني الرفيع المستوى، كان يريد إضافةً إلى الشغَب على الاتفاق النوَوي تمريرَ رسالة قوية مفادُها أنّ منطقة الجولان باتت تخضع للمصالح الأمنية الإسرائيلية الحيوية والمباشرة.
لكنّ ردّ «حزب الله» من خلال عملية شبعا لم يكن الردّ الوحيد. صحيح أنّ العملية أدّت مرادَها لناحية إعادة فرض معادلة توازن الرعب، وهي الجواب على رسالة استهداف الاتفاق النووي، إلّا أنّ الردّ على رسالته اعتبارَ الجولان منطقة عسكرية إسرائيلية، حصلَ ولكن بطريقة أخرى.
فمنذ اندلاع المواجهات العسكرية في سوريا عمدَت طهران إلى إرسال الخبراء العسكريين من الضبّاط الكبار لمساعدة النظام. وعندما اشتدّ الضغط دخلت مجموعات «حزب الله» مباشرةً في المعارك، ومن ثمّ جرى نقلُ آلاف المقاتلين من شيعة العراق وأفغانستان للمساهمة في تأمين الغطاء البشَري المطلوب على الجهات كافة.
لكن وبعد عملية الجولان أرسلَ الجنرال قاسم سليماني قوات إيرانية رسمية يزيد عديدها عن الألف عنصر وتمركزَت في المنطقة المحاذية للجولان، وشاركَت في بعض المعارك. الجواب كان واضحاً: إيران باتت على الحدود السورية – الإسرائيلية كامتداد لواقع الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. إضافةً إلى أنّ طهران كانت ترى نظام الأسد في صلب الاستراتيجية الإيرانية وليس فقط حليفاً.
ماذا يعني كلّ ذلك؟ يعني أنّ نتنياهو المعروف بخياراته المتهوّرة، وبعد فوزه المدوّي قد يسعى إلى استهداف القوات الإيرانية مباشرةً وتحت عنوان حماية أمن إسرائيل من التهديد الإيراني المباشَر، وهي ضربة سيَجني منها نقاطاً ومكاسبَ عدّة، عدا عن أنّها ستزيد التعقيدات أمام توقيع الاتّفاق النووي.
هذه الاحتمالات قد تُحَتّم على طهران كسبَ الوقت وتوقيع الاتفاق بسرعة، مكتفيةً برفع العقوبات التي لها علاقة بالأمم المتّحدة وبالرئاسة الأميركية متجاوزةً الإزالة الفورية لعقوبات الكونغرس، ولكن بعد نَيل ضمانات حاسمة في هذا الشأن.
لذلك يُقال إنّ التوقيع قد يتزامَن مع عيد رأس السنة الإيرانية أو قبل نهاية هذا الشهر. وهو سيعني أيضاً إشاحة النظر عن المعارك التي كانت متوقّعة مع ذوَبان الثلج. ذلك أنّه في خضمّ المعارك تسود الفوضى عادةً، وهو الجوّ المثالي لنتنياهو ليُغامرَ ويشاغب.
عدا عن أنّ الأوراق الميدانية التي كسبتها إيران إلى جانب النظام السوري باتت كثيرة وكافية:
– الإمساك بالضواحي المحيطة بالعاصمة دمشق بعمق 53 كلم.
– تقطيع مناطق المعارضة قرب الحدود إلى ثلاثة، وقَطعُ التواصل بينها.
– إنحسار وجود المسلحين في جرود القلمون وجزء من الزبداني، فيما المدن في يد النظام.
وهذا يعني أنّ فتحَ خريطة سوريا بعد التوقيع يعطي النظام قوّةً ميدانية قادرة على فرضِ نفسِها في المعادلة السياسية التي ستحكم سوريا.
ويأتي إقرار وزير الخارجية الاميركي بذلك، دليلاً واضحاً آيلاً للترجمة السياسية.
في العراق تحاوِل إيران إنجازَ المهمّة لوحدِها من دون مساعدة أميركية لقطعِ الطريق على أيّ مطالب أميركية مستقبلية بنقاط عسكرية. لكنّ السعي الإيراني لا يبدو سهلاً، وهو ما يَجعل العراق سائراً إلى نظام فدرالي.
وفي اليمن، أجهَض فرار الرئيس اليمني نجاحَ الحوثيين في الاستيلاء على العاصمة، وهو ما سينعكس على مشاريع التسوية السياسية المقترَحة.
أمّا في لبنان فإنّ الملفّ سيُفتَح مجدّداً، إذ إنّ إيران التي ضمنَت بقاءَ الأسد كجزء من التسوية السياسية، بما يُبقي الطريقَ مفتوحاً من طهران إلى جنوب لبنان، قد تصبح أكثر ليونةً في مساهمتها في إيجاد تسوية سياسية في لبنان تتضمّن وصولَ رئيس جديد للجمهورية.
ولأنّ الأسد باقٍ في سوريا كجزء من الحلّ، فإنّ التسوية في لبنان ستشهد وصولَ رئيس وسَطي كونه لا يشكّل امتداداً للمعادَلة السورية ولا واقعاً معادياً لها في الوقت نفسه. إلّا إذا رفضَ الفرَقاء المسيحيون التزحزحَ مِن أماكنهم والتقدّم خطوةً إلى الأمام، عندها يكون هؤلاء قد اختاروا مرّةً جديدة الفوضى، وبالتالي الذهاب إلى المؤتمر التأسيسي، وهم خسروا مواقعَهم في السلطة سَلفاً كما كانوا خسِروا قوّتهم العسكرية في معادلة العام 89-90.