Site icon IMLebanon

عندما يتحدَّث الضاهر اليوم عن «مخايل الضاهر أو الفوضى»

تتقاطع آخر المعلومات الرئاسية وتؤكّد توقّف التسوية الرئاسية التي كانت تقضي بانتخاب رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهوريّة بفعل عوامل وعراقيل داخلية، يُضاف إليها عدم حماسة إقليمية لإتمام الصفقة الرئاسية على رغم المواقف المشجّعة للدول الكبرى.

تُؤكّد مصادر «قوّاتية» وعونيّة أنّ الهدف الآن هو إسقاط التسوية الرئاسيّة التي كانت ستُطيح بالدور المسيحي في إختيار الرئيس، من ثمّ ستكمل على قانون الإنتخاب وسط عدم وضوح هذه النقطة المصيريّة بالنسبة الى المسيحيين.

وتشير المصادر الى أنّ الأحزاب المسيحية الثلاثة أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» والكتائب اللبنانية تملك 33 نائباً من أصل 64 نائباً مسيحياً، بينما تمثيلها يتجاوز الـ80 في المئة من حجم الكتلة المسيحية الناخبة، وبالتالي فإنّ اللعبة الديموقراطيّة ستجعلها خاسرة لأنّ باستطاعة بقية المكوّنات تأمين النصاب وعقد جلسة إنتخاب من دونها والإتيان بالرئيس الذي تريده هذه المكوّنات، من هنا أهميّة قانون الإنتخاب، الذي اتفقت الأحزاب على أن تكون النسبية في صلبه.

ومن جهة أخرى، يُرفع في وجه المسيحيين السيف الدائم أي تجربة عام 1988، مع العلم أنّ كلَّ المعارك الإنتخابية، سواءٌ كانت نيابية أو بلديّة، لا تخلو من المواجهات القوية، فكيف الحال بالنسبة الى رئاسة الجمهورية التي تشكّل أمَّ المعارك والتي يطمح إليها كلُّ ماروني إعتلى منصباً نيابياً أو وزارياً أو حتّى إدارياً.

شهد لبنان منذ رئاسة شارل دبّاس الأولى أشرس المعارك الرئاسية، وعلى رغم معرفة جميع السياسيين أنّ الرئاسة تأتي نتيجة إتفاق إقليمي- دولي بلباس داخلي، إلّا أنهم يجيّشون ويعملون من أجل الجلوس على كرسيّ الفخامة، تلك الكرسيّ التي يذهب بعض المفكّرين المسيحيين الى القول عنها «إنّها خسّرت الموارنة أكثر مما أعطتهم مكاسب».

شهد لبنان معارك إنتخابية كثيرة، وفترات فراغ، ورؤساء كباراً أمثال إميل إدّه، كميل شمعون، فؤاد شهاب، كما عاش أحداثاً وخضّات سبقت كلَّ معركة، لكنّه لم يعلق في الذهن من كلّ تلك المعارك والإستحقاقات التي تطلّ كلّ 6 سنوات إلّا المصطلح الشهير: «إمّا مخايل الضاهر، أو الفوضى».

لو قدّر للضاهر أن يصل عام 1988 الى سدّة الرئاسة، لربّما كان انتُخب، وأكمل ولايته وخرج بعد 6 سنوات وبات رئيساً سابقاً، يأتي في سياق سلسلة الرؤساء الذين حكموا لبنان، لأنّ رؤساء لبنان، في معظمهم باستثناء الرئيس كميل شمعون، يختارون بعد انتهاء ولايتهم التعاطي في السياسة من بعد، ومنهم مَن لا يتعاطاها بتاتاً، أمثال الرئيسين الياس سركيس وشارل حلو.

لكنّ مخايل الضاهر دخل التاريخ من بابه العريض، من مصطلح بات شعاراً وسيفاً يُرفع عند نهاية كلّ عهد، منهم مَن يستعمله للتهديد، وآخر للتهويل، والبعض للتحذير الإيجابي، والثابت في كلّ هذه المعمعة أنّ إسم الضاهر بات الأكثر شهرة.

ككلِّ ماروني، يجلس الضاهر حالياً، ينتظر جلاء غبار المعركة الرئاسية، يراقب مجرى المعركة الرئاسية الحالية التي لا تشبه معركة 1988 بالشكل، لكنّ المضمون واحد: الموارنة لم يتفقوا على إسم، وكجميع الموارنة أيضاً، لا يمانع أن تأتيه الرئاسة لأنه يعتبر أنّ الدستور لا يلزمه تقديم ترشيح رسمي.

في كانون الأول 2015 يستذكر الضاهر واقعة 1988، عندما كان الخلاف إسلامياً- مسيحياً. ويروي لـ»الجمهورية» أنّ بكركي والفاتيكان عملتا على إنهاء الفراغ الرئاسي وتكثفت الاتصالات بين دمشق التي تمون على المسلمين وواشنطن التي تمون على المسيحيين وأتى المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي الى لبنان بعدما التقى الرئيس الراحل حافظ الأسد، وبعدما وضعت لائحة من 10 أسماء مرشحة، سقط منها سبعة في امتحان الاختيار، فبقيَ اسمي وإسمان آخران، وعندما وقع الاختيار عليّ لأنّني وسطي رفضني الأقطاب المسيحيون بحجة أنني لا أمثل، عندها قال مورفي جملته الشهيرة من بكركي: إما مخايل الضاهر أو الفوضى».

يشير الضاهر الى أنه من الصعب أن يمرّ إسم فرنجية حالياً، لأنّ المسيحيين غير موافقين عليه مثل العام 1988، لذلك عليه أن يذلّل العقبات المسيحية لكي يصبح رئيساً.

لا يُبدي الضاهر انزعاجه من استعمال إسمه والمصطلح الشهير، «لأنه بات جزءاً من التاريخ، والتاريخ يجب أن نأخذ منه العبر لكي لا نقع في الاخطاء نفسها، حيث وقعنا حينها في الفراغ الرئاسي، ودارت حربُ التحرير، من ثمّ الإلغاء وتقاتل المسيحيون وذهبنا الى الطائف من ثمّ وقعت أحداث 13 تشرين التي أخرجت العماد ميشال عون من قصر بعبدا بالقوّة، ولربما كنا تفادينا كلَّ هذه المآسي لو تمّ الإنتخاب».

قد تكون العودة الى التاريخ ضرورية لإستشراف المستقبل، لكنّ مصطلح «التاريخ يكرّر نفسه» يجب أن يشكل حافزاً للتقدّم، وليس للوقوف عنده، ففي تلك المرحلة كان المسيحيون أقوياء ومسلّحين، وحصل ما حصل، وخسروا دورهم، أما الآن فإنّهم يخرجون من خسارتهم للحرب ومرحلة الوصاية السورية، وينتفضون على واقعهم، لذلك فإنّ أوجه الشبه بين تلك المرحلة والآن تختلف، فالجميع كان شريكاً في الفوضى، وليس مَن أسقط الضاهر وحده.