IMLebanon

«الضّاحية»: ليس زمن انتفاضات العائلات!

وحصل ما كان متوقّعاً. لفّ طيفُ القيادي الشّهيد مصطفى بدر الدّين المشهد الانتخابيّ. أرخى نبأ استشهاد القائد الكبير في «حزب الله» على الانتخابات البلديّة والاختياريّة في الضّاحية الجنوبية لبيروت، وإن بطريقةٍ «سلِسة»، بظله.

يومٌ طويلٌ شهدته الضّاحية أمس.. برج البراجنة والغبيري تصدّرتا المشهد. منطقتان تحملان «خصوصيّاتٍ» عائليّة، يحاول الكثير من أبنائها «الانتفاض» في وجه الأحزاب وعلى رأسها «حزب الله» و «أمل».

«قلب البرج» لمن؟

لا تحتاج بلدة البرج إلى تعريف. من يعرف المنطقة جيّداً، يُدرك حجم تعلّق أبنائها بها. في الحديث عن البرج، تتوالى التّحدّيات: أوضاع معيشيّة صعبة يعانيها كثرٌ من أبنائها، اكتظاظٌ سكّانيٌّ هائل تخنقه التّعدّيات والمخالفات العمرانيّة، وضعٌ أمنيٌّ بلغ أقصاه بالتّفجيرَين الانتحاريَّين الأخيرين. تحدّيات ضبط الأمن من دون إثارة حساسيّات الفلسطينيّين القاطنين في مخيّم برج البراجنة ولا من تستضيفهم البلدة من نازحين سوريين، غيابُ تسعيرةٍ موحّدة لمولّدات الكهرباء، الرّعب الّذي يحدثه اسم «حيّ الجورة»، ذاك الحيّ الّذي تحدثُ في أروقته عمليّات بيع المخدّرات وتوريدها، محاولة إيلاء أحياء البرج الثّلاثة العناية نفسها: حيّ «المنشيّة»، حيّ «السّنديان» وحيّ «السّيّاد».

يحقّ لأبناء البرج القلق. كان هذا دافعاً لتفعيل عمليّة التّرشّح الدّيموقراطيّة، فكانت النّتيجة لائحتان على المقاعد البلديّة: لائحة «قلبي لبرج البراجنة» المدعومة من عائلات البرج وعلى رأسها جمال رحّال، في مواجهة لائحة «التّنمية والوفاء والإصلاح» المدعومة من «حزب الله» و «حركة أمل».

على دقّتها، بقيت الأمور تحت السّيطرة. استطاعت بلدة البرج، في يومها الطّويل، المحافظة على «سلميّة» العمليّة. بعد اثنتي عشرة ساعة من «متاريس افتراضيّة» بين جمهورَي العائلات والأحزاب، خرجت البرج من دون أي ضربة كفّ. على الأرض، كانت الأمور حاميةً بقدر صناديق الاقتراع. خاب أمل «قلبي لبرج البراجنة» بإمكان الفوز أو الخرق بوجه حقيقة «الفوز المسبق» للائحة الأحزاب. في المقابل، نسفت ثقة اللّائحة المدعومة من الأحزاب بالفوز الأكيد، أيّ احتمالٍ بتغيير مُرتقب على طريقة «المعترضين» وهم كلهم تحت سقف المقاومة. وبين هذا وذاك، خرج طيف الشّهيد مصطفى بدر الدّين. بين الأروقة تسمع اسمه. «وفاءً لبدر الدّين» عبارة تردّد صداها في البرج والغبيري كذلك. في اليومين الماضيين، خرج كثرٌ للحديث عن ضرورة التّصويت لـ «خطّ الشّهيد». بالنّسبة للقيّمين على «التّنمية والوفاء»، الشّهيد أسمى من المتاجرة في هكذا مناسبات.

أليست «الغبيري للجميع»؟

تأفّف الرّجل المُقعد على كرسيّه المتحرّك. نظر يمنةً فيُسرى بانتظار المُساعدة. صرخ الدّركيّ «قربوا ساعدوه»! هبّ أربعة شبّانٍ لنجدة الرّجل. رُفعت الكاميرات لتصوير الحادثة. انتفض الدّرك: «ممنوع التّصوير».

على درج «الثّانويّة الرّسميّة» مقابل «روضة الشّهيدين» في الغبيري تكرّر المشهد: رجلٌ من ذوي الاحتياجات الخاصّة، أراد ممارسة حقّه في الانتخاب، فوجد نفسه أمام عوائق تمنعه من ذلك. الأسبوع المقبل، والأسبوع الّذي يليه، ستتكرّر المعاناة مع ذوي الاحتياجات الخاصّة. سيجدون مواطنين يهبّون لمساعدتهم، لكن حتماً لن يجدوا دولةً تقوم بذلك.

بصعوبةٍ شديدة، صعدت عربة الرّجل الدّرجات. تهافت عليه مندوبو المرشّحين: «الغبيري للجميع»، في مواجهة «التّنمية والوفاء» للشّقّين: البلدي والاختياري. تماماً كبرج البراجنة، تتشكّل اللّائحة الأولى من مستقلين، ويدعم اللّائحة الثّانية «حزب الله» و «أمل». اللّائحة البلديّة الأولى، برئاسة المحامي واصف الحركة، وهو النّاشط في حملة «بدنا نحاسب». والثّانية برئاسة معن الخليل، الّذي أخذ هذه المرّة مكان رئيس البلديّة السّابق محمّد سعيد الخنسا (أبو سعيد).

معركة الغبيري كانت الأشرس. فيها تنافس منطقان: الأوّل، يرى في العمل الإنمائيّ امتداداً للعمل المقاوم، وبالتّالي لا فصلَ بينهما. والثّاني، يعمل على تجزئة كلّ ما هو محلّيّ وإنمائيّ عن أي حسابات سياسية.

لبلديّة الغبيري كذلك حساباتٌ خاصّة. الحديث هنا عن ثالث أغنى بلديّة في لبنان. لا أحدَ يعرف تماماً كم تبلغ ميزانيّة البلديّة السّنويّة. في النّقاش، يأخذ التّخمين والتّقدير الحيّز الأكبر. على الرّغم من عدم إشهار البلديّة لميزانيّتها، يتوقّع البعض أن تتجاوز الأموال في صندوقها الـ25 مليون دولار سنويّاً. حصول البلديّة على هذه المخصّصات الكبيرة يأتي وفق عددٍ من العوامل أبرزها: عدد السّكّان، العقارات والمنشآت الكبرى الموجودة في نطاقها العقاريّ، كالسّفارات و «الكورال بيتش» و «السمرلاند» وبعض الفنادق على سبيل المثال لا الحصر. إذا ما أخذتَ العامل الأخير في الحسبان، تجد أنّ النّطاق الجغرافيّ للبلديّة كبيرٌ للغاية. فعقارات البلديّة تمتدّ من مستديرة الطّيّونة مروراً بالمدينة الرّياضيّة، ثمّ الـBHV، وصولاً إلى السّفارة الإماراتيّة. وفي الجهة المقابلة من محطّة «ناصر» في الأوزاعي حتّى أطراف مارون مسك (الشياح).

الشّرخ الطّبقيّ لافتٌ للنّظر. تتكوّن الغبيري من حيَّين اثنين: حي بئر حسن، وحي الجامع. يتبع «بئر حسن» حيٌّ اسمه «حي فرحات». فيه تكمن التّحدّيات. فهو، يعاني من أوضاعٍ معيشيّة وخدماتيّة متردّية. وقد ارتكزت لائحة «الغبيري للجميع» في حملتها الانتخابيّة، بشكلٍ كبير، على أوضاع هذا الحيّ والحاجة إلى تحسينها. فهل ستتمكّن من

ذلك في حال فوزها؟

على الرغم من الحشد المُسبق، لم تكن نسبة المشاركة في الانتخابات على قدر التّوقّعات. من أصل 22 ألفاً و89 ناخباً، صوّت ثمانية آلاف و100 شخص، لتقفل صناديق الاقتراع على نسبة مشاركة بلغت 37 في المئة. في حين كان من المتوقّع أن تصل نسبة الاقتراع إلى 42 في المئة. أمّا مشاركة الطّائفة السّنّية، الّتي تُشكّل حوالي 25 في المئة من سكّان الغبيري، فبلغت 20 في المئة، مع 920 صوتاً، لينخفض بذلك عددهم عن المشاركة في الانتخابات السّابقة.

«حارة حريك» والمريجة تطرحان تّساؤلات

الانتخابات البلديّة والاختياريّة في حارة حريك والاختياريّة في المريجة أعادت طرح إشكاليّة «الانتخاب وفق محلّ الإقامة أم النّفوس»؟

«حيّ الكنيسة» في حارة حريك، أغلب سكّانه من المسيحيّين، وبعض من الشّيعة. «حي قرانوح» يحوي بعض الشّيعة والسّنة والمسيحيّين. أمّا «حي الرّويس» ففيه نسبةٌ لا بأس بها من المسيحيّين المسجّلين في بلديّة حارة حريك، والّذين لا يسكنونها.

في المريجة، الوضعُ عينه. ما بين 17 و20 عائلة مسيحيّة تقطن المدينة. الباقون يسكنون خارج المنطقة، لكنّهم في أوقات الانتخابات، يحملون أوراقهم ويقترعون في المريجة ويحضرون قداس الأحد والمناسبات الدينية..

فتورٌ متوقّع سيطر على الحارة والمريجة. في الأولى، كانت الأمور تتّجه نحو فوز لائحة «التّنمية والوفاء والإصلاح» بالتّزكية، وهي المدعومة من تحالف «حزب الله ـ أمل ـ التّيّار الوطني الحرّ». إلّا أنّ المرشّح زياد دكّاش رفض الانسحاب فترشّح منفرداً. وتحدّثت معلومات عن حصول دكّاش على دعمٍ من قبل «القّوات اللبنانيّة» في محاولةٍ لإثبات الوجود بوجه الأحزاب الثّلاثة في المنطقة. كما تردّد عن أنّ الرّجل التقى رئيس تكتّل «التّغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لثنيه عن التّرشّح. وفي كلّ الاحوال، فإنّ إمكانيّة خرق الرّجل للّائحة ضعيفة جدّاً.

في المريجة، غابت المعركة البلديّة بعد فوز لائحة «التّنمية والوفاء والإصلاح» المدعومة من «حزب الله ـ أمل ـ التّيّار» بالتزكية، لتحلّ محلّها «معركة صغيرة» على المقاعد الاختياريّة في كلٍّ من اللّيلكي والمريجة وتحويطة الغدير.

عائلة بدر الدين تصوّت للائحة الوفاء

علمت «السّفير» أنّ عائلة القيادي الشّهيد مصطفى بدر الدّين (ذو الفقار) شاركت في انتخابات بلدية الغبيري، وصوّتت لمصلحة «لائحة التّنمية والوفاء».