في مخطّط السير الجديد، والمطبّق أخيراً في مناطق الضاحية الجنوبية وأحيائها بإشراف اتّحاد بلدياتها، نموذج فجّ يكشف عامل الإخفاق في إدارات يُفترض أن يكون التخطيط والتصميم السلِس، أساساً في اختيارها للتدابير المناسبة. طبعاً، عدم تغيير أنظمة النقل في هذه المنطقة الجغرافية المكتظّة، وانعدام تنسيق الخطّة الموضوعة مع التدفّق الفِعلي لحركة الآليات، عوامل لا تقلّ أهمّية، إلّا أنّ في الخطّة “لبننة” لا تختلف عن أي خطط أخرى في البلاد، تعتمد أسلوب العلاج بالماكياج وليس مداواة المريض.
ليست ما سُمّيت، افتراءً على الهندسة، وزعماً على خطط التنظيم المدني لإراحة السير باسم “خطة سير الضاحية الجنوبية”، إلّا محاولة من اتّحاد البلديات لفرض المشكلة ذاتها بوصفها حلّاً. ففي الأمس، بلغت الخطّة ذروة “الخيبة”، فما كان يهدف إلى زيادة انسيابية حركة الآليات، وتسريع تجوّلها، وخلق مواقف جانبية على طرفيّ الطرقات، تحوّل بتطبيق فكرة تحديد وجهة سير واحدة إلى تفاقم زحمة السير بشكل كبير.
إعتراضات وشكاوى
أما اعتراضات الأهالي فحدّث ولا حرج… وشكاوى وصلت لـ”نداء الوطن” من الخطّة، حيث وصفها أحدهم بعبارة “إجا ليكحّلها عماها”، وقال آخر: “كنّا في فوضى مرورية وأصبحنا في فوضى مرورية موقّع عليها من البلديات”.
لم تلقَ هذه الخطّة المزعومة رواجاً بين سكّان الضاحية الجنوبية حتى الآن، إلا أنّها للإنصاف، كانت باباً لإزالة التعدّيات على الأملاك العامة على جادة هادي نصرالله بهدف توسيع المكان، واستحداث فتحة فيه مقابل محطة الكهرباء كمخرج باتجاه الكفاءات، واستحداث فتحة أخرى مقابل أفران الوفاء على الجادة نفسها كمدخل من الجادة باتجاه مدارس المهدي – الحدث، فضلاً عن وضع إشارات توجيهية وإرشادية وتحذيرية وإشارات ضوئية ومرايا في كل مناطق الضاحية، إضافة إلى إنشاء جزر خضراء لتنظيم اتجاهات السير وإنشاء الوسطيات والفواصل في الطرقات الرئيسية، وهو نوع من الترتيب أكثر من حلّ لمعضلة السير.
أما اللافت في الأمر، وبحسب أحد سكّان الضاحية، فهو أنّ “كلّ الإشارات الأساسية للطرقات، من العواميد إلى غيره من المواد الأساسية في هذه المشاريع، يتم تصنيعه من قبل اتحاد البلديات مباشرة، لتخفيض الكلفة. أما المقاولون فيعملون على تسعيرة الدولار الرسمي 1500!”.
لا بدّ من تجاوز حالة الإستثناء التي تعيشها الضاحية الجنوبية، سواء في موضوع الإكتظاظ، أو في أنّ دولتنا الكريمة لم تدفع حتى الساعة مستحقّات البلديات ممّا تفوق قيمته ألفي مليار ليرة، وصل منها للبلديات مئة مليار ومئتا مليون ليرة فقط، إلا أنّ العديد من المهندسين المدنيين علّقوا على الخطّة بطريقة سلبية.
ويقول المهندس محمد نصرالدين لـ”نداء الوطن” أنه من الغريب جداً انطلاق الخطّة قبل تنظيم أماكن وقوف المركبات وتأمين مواقف سيارات للعموم، وهو ما وُعد به الناس في الخطّة، وتحديداً في النقطة السابعة منها. وهنا نسأل أيضاً: “لماذا لم تُعلن غرفة التحكّم المروري قبل البدء بتطبيق حركة المرور الجديدة والإلزامية، وقبل تحديد اتجاهات السير وتحويل بعض الطرقات إلى اتجاه واحد؟!”. وأكمل: “أما المصيبة فهي أنّ الخطة الورقية التي اطلعت عليها تقول في النقطة 12 من المرحلة الأولى، أنه سيتمّ تطبيق الوقوف مقابل بدل مادي أي “باركميتر”! الآن؟ وخصوصاً في وضع الناس الحالي؟ وأيضاً، بعدما كان هذا النظام باباً للفساد؟ كذلك في الخطّة وعد بتجهيز الطرق بمحطّات وقوف للنقل المشترك، ولكن لم يحدّد كيف سيعمل على تنظيم هذا النقل”، والأهمّ أنّه “لم يتمّ توزيع الخطّة على الناس أو نشرها على “فيسبوك”، وإذا قمنا بالتجربة ونزلنا على الأرض لكي نذهب إلى نقطة معينة، نجد أنّ الطرقات تبدّلت، وهذا التبدّل لا يلحظه حتى الآن “غوغل مابس” مثلاً، ولا يعرفه السكّان، وهنا تبدأ رحلة الغرباء مع استكشاف كيفية الوصول، ناهيك عن أن التحويلات، في حال حدوث خطأ، طويلة نسبياً، قياساً بالمساحة الجغرافية للضاحية، ويمكن للمرء ان يلتفّ أكثر من ثلاث مرات على الأقلّ في الأيام الأولى لكي يحفظ الطريق الأسهل والأجدى الذي عليه التزامه، وهو خطأ كبير وقع به الإتّحاد، وكان يمكن تفادي زحمة السير بنسبة كبيرة عبر نشر خطط الطريق قبل انطلاق التنفيذ بأيام. وبالرغم من أنّ في الضاحية الجنوبية عدداً كبيراً من الدرّاجات النارية، لا أفهم لماذا لم تأخذ الخطّة هذه النقطة في الإعتبار”.
أما رئيس اتحاد البلديات محمد درغام، فقال في حديث متلفز: “من الطبيعي أن تكون هناك زيادة في نسبة أعداد السيارات المتجوّلة بنسبة 30% مع هطول الأمطار، وقد تكون فترة الأعياد سبباً آخر للزحمة، بالإضافة إلى توقّف باصات المدارس عن نقل الأولاد من وإلى مدارسهم، وبالتالي يلجأ الأهل ليقلّوا أبناءهم، ما يزيد من زحمة السير”. وأضاف: “اليوم، لا يمكن للوهلة الأولى إلقاء اللوم على الاتّحاد وخطّة السير، في وقت الضاحية بكل أوقاتها كانت مكتظّة بالسيارات، ولكن هذا ليس مبرّراً وعلينا التفتيش عن الحلول، وهذا دورنا”.
في الختام، هذه الخطة النموذجية التي تنظّم السير، لم تغيّر من اعتبار الضاحية الجنوبية “مربّعاً أمنياً” مُفدرلاً تحت قناع أنّ للمنطقة “خصوصيتها”. وعليه، لم تلغ الحواجز الحدودية الموضوعة على مداخل الضاحية بالرغم من أنه كان الأجدى بأولئك العناصر الحدوديين تنظيم السير ومساعدة الناس وفتح الطرقات الفرعية الملغية، منذ اعلان هذا المربّع الصّوري حامياً من تهديد ما، بالرغم من أنّه يدخل الضاحية يومياً نحو 250 ألف سيارة، وهناك 800 ألف ومليون نسمة من لبنانيين وغير لبنانيين على مساحة تقلّ عن 30 كيلومتراً مربّعاً، فما الجدوى من الإنغلاق غير التحكّم السياسي، وليس المروري؟!