بحذر وترقّب، يراقب أهل الضاحية وسكانها الأوضاع في غزة وعلى الحدود مع فلسطين. المنطقة التي دفعت الثمن الأغلى في حرب تموز 2006، تعرف تماماً أن لا أمان للمدنيين من العدو في أيّ مواجهة مقبلة. لذلك، ومنذ اليوم الأول لبدء المواجهات على الحدود مع فلسطين المحتلة، بدأ كلٌّ وضع «الخطة ب» موضع التنفيذ، خصوصاً في حارة حريك وبئر العبد اللتين، قياساً بمجريات عدوان 2006، تُعدّان في «دائرة التهديد المباشر»، فيما يعيش أهالي الشياح والغبيري أيامهم بحذر من دون استعدادات واضحة للمغادرة. فالآلاف جهّزوا حقائب قرب أبواب منازلهم، تحتوي على الأوراق الرسمية كالهويات وجوازات السفر، وأدوية، وأموال وممتلكات ثمينة من مجوهرات أو سندات ملكية.
مريم التي عايشت حرب تموز تقول «لست مضطرة لإعادة التجربة، لذلك أخرجت أولادي من منطقة بئر العبد نحو بلدتي كيفون». ورغم «الاعتياد» على انحصار المواجهات حتى الآن على الجبهة الشمالية، إلا أن «سيارتي دائماً مفولة بنزين، وخبر انطلاق الاجتياح البري لغزة يعني الانتقال إلى منزلي الثاني في جبيل»، قالت آمال التي تصف خوفها من الحرب بـ«المتحرّك مع وتيرة الأخبار القادمة من غزة»، لكنّها مطمئنّة تماماً لانتصار المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فـ«العدو لن يتمكن من التقدم برياً»، بالتالي، «لا حلّ أمامه سوى التدمير الشامل، والصور الآتية من غزة مخيفة».
المشهد في الضاحية ليس واحداً. فالقدرة على الرحيل ومغادرة البيوت رفاهية غير متوافرة للبعض. إذ وصل إيجار الشقة الصغيرة إلى 600 دولار في المناطق «الآمنة» القريبة للضاحية. لذلك، قرّر كثيرون عدم المغادرة، رغم مخاطر وقوع الحرب، «لأننا جرّبنا ذلّ التهجير في حرب 2006، ولن نعيد الكرّة»، يقول خليل، الأستاذ في التعليم الرسمي، مشيراً إلى «أنني اشتريت تمويناً وملأت خزان المياه الاحتياطي على سطح المبنى، وأستعدّ للحصار». يؤكد خليل أنه «مطمئن لعدم قدرة العدو على إعادة مشهد تموز»، وفي حال احتدمت الحرب، وقرّر الخروج من منزله، «لن أترك الضاحية، بل سأنتقل إلى منطقة أخرى فيها أكثر أمناً». أما ساعة خروجه، فيربطها بـ«قصف تل أبيب، فوفقاً لمعادلة المقاومة، لن تُقصف الضاحية قبل وصول الصواريخ إلى عاصمة الكيان».
مغتربون أيضاً قرروا العودة للبقاء إلى جانب أهلهم في مدة الترقب الحالية. مصطفى أحد هؤلاء، قدم ليقيم في بلدة في العديسة المواجهة للحدود الفلسطينية مع أهله الرافضين أصلاً لفكرة مغادرة المنزل، مفضلين الانتهاء من قطاف الزيتون. أما مريم، فتركت ألمانيا التي قضت فيها فصل الصيف، وعادت رافضةً المغادرة الآن. «لست خائفة»، تقول، و«لا أريد المغادرة، فابنتي تريد البقاء في مدرستها هنا، كما لا أرغب في العيش في مكان وأهلي في مكان آخر، عشنا الحرب عدة مرات، ولن تفرق اليوم». وحول وجود خطة طوارئ للرحيل عن منزلها في الضاحية في حال وقوع الحرب، تشير إلى أنها جهّزت منزل أقاربها في منطقة بربور للانتقال إليه عند الطوارئ.
المفارقة أن الضاحية استقبلت أخيراً عدداً كبيراً من أهالي القرى الحدودية، إلا أنّ هؤلاء يعدّون إقامتهم فيها مؤقتة، رغم أنّ بعضهم «عتلان هم الطلعة مرة ثانية». من جهته، يحاول محمد علوية القادم من مارون الرأس التنسيق مع أقارب له للاستفادة من منزل كبير يملكه أحد مغتربي القرية في منطقة الجبل، من دون اللجوء إلى استئجار منزل آخر، حيث وصلت قيمة إيجار المنزل إلى 1200 دولار الأسبوع الفائت.
المبيع في الصيدليات وحال المستشفيات
مشاهد الاستعداد للحرب تنسحب على الصيدليات، «مبيع الأدوية المزمنة زاد على نحو كبير»، وفقاً للصيدلانية دارين حجازي. «الضغط على أدوية السكري والقلب تضاعف مقارنةً مع الشهر الماضي، والمقتدرون يشترون كميات من الأدوية تكفي لعدّة أشهر». وحول تلبية الموردين للطلب الكبير على الدواء، أشارت حجازي إلى «تجاوب الشركات مع الطلبات، ولكن معظم الصيدليات توقفت عن تخزين الأدوية مع بداية الأزمة عام 2019 لعدم قدرتها على تحمل تقلبات الأسعار».
من جهة أخرى، حذّر الصيدلاني إبراهيم العلي العامل في شركة توريد أدوية للمستشفيات من عدم وجود مخزون كافٍ من التجهيزات الطبية والأدوية في المستشفيات التي «كانت تحتفظ بكميات كافية لسنة قبل الأزمة الاقتصادية، أما الآن، فلا تشتري ستوكات تكفي لأكثر من شهر واحد».
من ملف : مَن الغبي (أو أكثر) الذي يريد إراحة العدوّ من عمليات المقاومة؟