Site icon IMLebanon

معاناة يومية لطلاب الجامعات

 

رحلة التعليم تتعثّر بفوضى النقل

 

ثمانون دولاراً في الشهر، موزعة على أربعة أيام في الأسبوع، هي تكلفة انتقال سيارة، طالبة كلية العلوم، سنة أولى فيزياء، من مكان إقامتها إلى الجامعة اللبنانية في الحدث. أما السكن الجامعي فليس خياراً متاحاً للجميع، إذ تحكمه المفاضلة بين الإختصاصات… وربما المحسوبية وبعض الحظوة. المرارة الواضحة في حديثها تختصر معاناة آلاف الطلاب الجامعيين اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود.

يضطر الاختصاص سارة للحضور اليومي. هو ليس إلزامياً، لكنه ضروري. تأخذ الحافلة العموميّة من ساحة بقعاتا في الشوف، الى موقف خلدة. من هناك، تصعد في حافلة صغيرة متجهة الى مدينة الرئيس رفيق الحريري الجامعية.

 

من منظور العام 2019 وما قبل، ثمانون دولاراً في الشهر هو رقم بسيط لا يهزّ متانة الحالة المادية لأسرة تعتمد على الوظيفة العامة. أما وقد تدنّى راتب والدها الشهري الى ما دون المئتي دولار، كونه موظفاً في الفئة الرابعة من ملاك إحدى الوزارات، فالأمر في غاية التعقيد. حضورها شبه اليومي الى الجامعة، وحضور والدها الى العمل، يرفعان سقف الإنفاق الشهري الى ما يوازي كامل الراتب.

 

تقول إن دوامها الكامل، ودروسها المطلوبة، يستحوذان على كل وقتها، لذلك لا إمكانية للتفكير بالعمل. ليبقى الاختيار متاحاً ما بين متابعة التعليم بالعجز والدَّين، أو وقف الدراسة «لحتى الله يفرجها».

 

من شحيم الى الفرع الرابع في دير القمر (كلية الفنون الجميلة والعمارة)، الرحلة أقصر، لكنها أعلى تكلفة. حال سارة، تنطبق على رولا طالبة الفنون الإعلانية والتواصل البصري Graphic design، بل ويزداد صعوبة. إذ لا وجود للنقل العام من شحيم الى دير القمر، مما يجبرها على الانتقال بسيارة خاصة لأربعة أيام في الأسبوع بالمداورة مع أحد زملائها، بتكلفة يومية تقارب السبعة دولارات لكل منهما.

 

أما فراس، الذي يداوم على الحضور يومياً من الروضة في البقاع الى مدينة الرئيس رفيق الحريري الجامعية في الحدث، فينفق بدلاً شهريا ثابتاً للنقل مقداره 100 دولار.

 

يقول إن وضع المقيمين في بيروت أو في ضواحيها أفضل، بحيث تبلغ تكلفة النقل 140 ألف ليرة يومياً ذهاباً وإياباً في حافلة للنقل العام. أما سيارات الأجرة، فنادراً ما يستخدمها الطلاب من ذوي الدخل المحدود، كون تكلفتها تفوق ضعف تكلفة الحافلة.

 

هل الحلّ بالسكن الجامعيّ؟

 

قد يكون السكن الجامعي هو الحل. لكن مهلاً فرسوم المساكن الجامعية تتفاوت بشكل كبير بين الرسمي والخاص، ففي حين يصل بدل الإقامة في جوار إحدى الجامعات الخاصة الى 500 دولار أميركي عن الطالب الواحد، لا يتعدى الثمانية ملايين ليرة لبنانية في أفضل حال في سكن طلاب الجامعة اللبنانية.

 

يقول مدير مكتب الشؤون الجامعية في الفرع الأول مجيد الحلو لنداء الوطن، إن قبول الطلاب في السكن الجامعي يتمّ بالمفاضلة وفقاً لمعايير محدّدة، وقد أعلن المكتب عنها في بداية العام الدراسي الحالي. على أن تكون الأفضلية لطلاب كليات: الطب العام، طب الأسنان، الصيدلة، الصحة والهندسة. كَون الحضور إلزامياً. والشرط الأهم للقبول يتعلّق بالمسافة، حيث لا يُقبل في السكن الجامعي الطالب الذي يبعد سكنه الحالي أقل من 30 كلم.

 

يتسع السكن في المدينة الجامعيّة لـ 2000 طالب. يضمّ غرفاً منفردة بسرير واحد، وغرفاً بسريرين. وقد حدّد القرار رقم 1687 الصادر عن رئيس الجامعة الدكتور بسام بدران في 9 تشرين الأول 2023 البدل الشهري للسرير الواحد في الغرف المنفردة بثمانية ملايين ليرة لبنانية، وللآخر في الغرف المزدوجة بأربعة ملايين ليرة لبنانية. بالإضافة الى بدل تأمين يُردّ للطالب عند مغادرته السكن بصورة نهائية، يبلغ ثمانية ملايين ليرة لبنانية في الغرف المزدوجة، و16 مليوناً في الغرف المنفردة.

 

يضيف الحلو، أن المياه والكهرباء والإنترنت مؤمنة للطلاب، لكن حالها كحال الخدمات في لبنان، تعاني من بعض الأزمات وتتعرض للانقطاع أحياناً، رغم العمل الدائم على تحسينها في الحرم الجامعي.

 

الفروع لا تغطي جميع الإختصاصات

 

بالرغم من أن الجامعة اللبنانية تضمّ تسع عشرة كلية ومعهداً تنتشر على مساحة الوطن وتتوزع بين كافة المناطق، إلا أن بعض الاختصاصات غير متوافرة في جميع المحافظات. لذلك يضطر الطالب المسجل في أحدها للانتقال الى الفرع الأقرب، أو الى الفرع الأول. فعلى سبيل المثال: في حين تتوزع كليات العلوم على خمسة فروع وست شعب تغطي غالبية المناطق اللبنانية، لا تتوفر اختصاصات كلية الهندسة إلا في أربعة فروع، رغم أن عدد المسجلين فيها يفوق الألفي طالب حالياً.

 

يضاف الى ذلك، أن غالبية الفروع المنتشرة لا تؤمن سكناً للطلاب، فيتوجهون للتسجيل في الفرع الأول أملاً بالحصول على إقامة، فيزداد الطلب ويزداد الضغط، ولا حول للإدارة ولا قوة إلا بالمفاضلة «العادلة»، ليبقى من لم يحالفهم حظ الحصول على السكن في مهب فوضى قطاع النقل.

 

أين النقل المدعوم؟

 

«تعرفة نقل خاصة ومخفّضة لطلاب المدارس والجامعات، كما لذوي الاحتياجات الخاصة، وللأشخاص الحاصلين على بطاقات الدعم من وزارة الشؤون الاجتماعية، من خلال نظام مكننة كامل لعمل الحافلات». هذا من ضمن الخطة المتكاملة التي أعدتها مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، بحسب ما صرّح به مدير عام المصلحة زياد نصر لنداء الوطن.

 

لكن قطاع النقل لم يحظَ يوماً باهتمام جديّ للحكومات المتعاقبة. حتى التشريعات التي تحكمه ما زالت ملتبسة، بحسب نصر. تتحكم به العشوائية والفوضى، يتقاسمه أصحاب الحافلات والشركات. يتحكمون بالتعرفة وبتنظيم الخطوط، وبدوام العمل. يبحثون عن المسارات التي تؤمن أعلى قدر من الدخل ويهملون المناطق النائية، فيقع المواطن في فخّ خيارين، إما النزوح الداخلي، أو تكبد أعباء باهظة للانتقال.

 

الخطة التي قدّمتها المصلحة للحكومة لن تبصر النور طالما الأخيرة لم تقم بخطوات عملية ومالية لتحقيقها، والمصلحة عاجزة مادياً عن القيام بالدور المطلوب منها. وتابع، في كانون الأول 2022 تم تسيير عدد من الحافلات في بيروت كانطلاقة تجريبية، حينها طلبت المصلحة من الحكومة تأمين اعتمادات لتوفير مقتضيات تشغيلٍ تحقّق استمراريتها، من محروقات وزيوت وقطع غيار، بالإضافة الى توظيف سائقين. لكن الحكومة لم تؤمن أي من ذلك. حتى محاولة التوظيف باءت بالفشل، فتوقفت الحافلات بعد شهر واحد من انطلاقتها لنفاد مخزون المصلحة من المحروقات.

 

بعد ذلك، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل عن مناقصة لإدارة وتشغيل حافلات النقل المشترك، لكنّ أحداً لم يتقدّم. ثم أعيدت لمرّتين بعدها، ولم تنجح. لم يرغب أحد بالقيام بالتزامات مع الدولة، ربما بسبب الخوف من تقلبات سعر صرف الدولار، أو لأسباب أخرى.

 

الخيار الأخير، كان بإطلاق مزايدة لتلزيم الحافلات المتوافرة لدى المصلحة، والمقدّمة كهبة من الحكومة الفرنسية، وفق دفتر شروط خاص، يتضمّن التشغيل حسب الخطة التي أعدتها. من ضمنها، تحديد التعرفة التي ستكون مخفضّة قدر الإمكان، وتحديد خطوط السير، وآلية العمل. آملاً الحصول على نتيجة إيجابية بعد فضّ العروض في الأيام القليلة المقبلة.

 

 

مبادرات غطّت غياب الدولة

 

استهتار الدولة، وتهميشها المقصود لقطاع النقل، جعل طلاب الجامعات في الأرياف والقرى النائية ينزحون الى المدن، وفي حالات كثيرة مع أهلهم وعائلاتهم. أو يضطرون الى ترك مقاعد الدراسة، نظراً للتكاليف الباهظة التي يتكبدونها، لذلك كان لا بدّ من تدخُّل الغيورين على مصلحة الشباب، والمُصرّين على عدم جعل القرى النائية مناطق مهجورة من سكانها. من هنا، كانت مبادرة النائب نعمة افرام التي انطلقت منذ أكثر من عشر سنوات، كبارقة أمل للطلاب الجامعيين في القرى النائية من كسروان، حيث خصّص لهم، كهبة، عدداً من الحافلات المجهّزة، يتم تحديد عددها وفقاً للحاجة في كل عام، ففي العام الجامعي الحالي تعمل 12 حافلة على نقل 300 طالب من جميع القرى الكسروانية الى جميع الجامعات المسجلين فيها، وتغطي جميع دوامات الحضور والمغادرة.

 

يقول أحد المستفيدين من النقل المجاني، أن لولا هذه المبادرة لتعذّر عليه التسجيل في أي من الجامعات، لعدم تحمله نفقات النقل، وأكد أن مثله العديد من الشباب الذين كانوا سيتوقفون عن التعليم قسراً.

 

الهَمّ مشترك والحلّ مطلب الجميع

 

لعلنا بالإضاءة على بعض الحالات من طلاب الجامعة اللبنانية، نسلّط الضوء على هموم مشتركة بين جميع طلاب الجامعات، الرسمية والخاصة على حدّ سواء. لكن المفارقة الوحيدة، أن تكلفة النقل بالنسبة لطلاب الجامعات الخاصة قد تشكّل نسبة مئوية متدنيّة من بدلات الأقساط السنوية، أما بالنسبة لطلاب «اللبنانية» فهو يفوق أربعة أضعاف الرسوم.

 

بحسب المدير العام زياد نصر، خطة مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك جاهزة، وقد تظهر أولى بشائرها في القريب من الأيام، وربما تنعكس انخفاظاً ملحوظاً على جميع خطوط النقل. إنما، وبحسب قوله، تنظيم القطاع لا يقتصر على تسيير الحافلات وتنظيم خطوطها فقط، إنما هو مشروع متكامل يجب على الحكومة أن توليه اهتماماً خاصاً، وتحيطه بما يلزم من التشريع والتمويل.

 

حتى ذلك الحين فلننتظر ما ستؤول إليه المزايدة، علَّها تحمل معها ما يخفّف عن كاهل الطلاب والأهل، والمواطنين بشكل عام.