شو ضربها على راسها داليا فريفر حتى فاقت تحطّم أرقاماً قياسية عالمية وتكشف عورات إعلامنا قدام الأجانب، ضاقت بعينها شوية عنصرية وتخلّفاً وابتذالاً تمتهنها غالبية الشاشات يداً بيد مع المجتمعات، من أجل انتاج توجيه أعمى يقود تثقيفاً أخرس وينصح ترفيهاً أصم.
لكن يبدو أنّ هذا التساؤل ليس في مكانه أبداً، لأننا كنّا حقّاً بحاجة ماسة إلى دم من فئة «مهنية بوزيتيف» لإنعاشنا في قسم طوارئ تخاذلنا أمام نوعية المادة الإعلامية، التي يتمّ تقديمها باستخفاف لجمهور يتمّ إقناعه أنّ الريموت كونترول هي فقط للخيار، فيما يجب أن تكون فعلياً للقرار أيضاً.
لا شكّ أنّ معظمنا يتناسى الرقم المسجّل عليه تلفزيون لبنان على تلفزيونه الخاص في المنزل، بفعل التهم المتكرّرة الموجّهة إلى هذه المحطة بعرض أعمال قديمة… لكن لا أحد يكلّف نفسه عذاب التنبّه إلى الخطوات الجبّارة التي يتمّ بذلها على هذه المحطّة لانتشالها من «طنبر» الرتابة ووضعها على متن قطار الحداثة والمنافسة.
ومن الساعة الثامنة من صباح السبت وحتى الثامنة من صباح الأحد، شهدت الريموت كونترولات في منازلنا نشاطاً خارقاً للطبيعة للبحث عن رقم قناة «تلفزيون لبنان» لمتابعة الإنجاز العالمي من على أكثر محطّة متّهمة بالمحلّي، لنكتشف فعلاً أنّ ما يجرى هناك لهو أجرأ من كمشات البرامج المشرشرة هنا وهناك وأثمن منها.
غلطان مَن يعتقد أنّ داليا فريفر كسرت رقماً قياسياً عالمياً فقط، فهي بظهورها القصير لفترة 24 ساعة على شاشة تلفزيون لبنان، كسّرت قليلاً من الفظائع المكرّسة على بعض محطاتنا، وأعادت تقديم صورة مشرقة عن لبنان.
داليا فريفر ما بتشوف، بس نحنا شفنا حالنا فيها… ولم تقف مشكلة نظرها عائقاً أمامها، لأننا بعينيها شاهدنا حجمَ الإنجاز الذي كسرته على الصعيد العالمي والإنجازات التي رسّختها على الصعيد الوطني، إذ استطاعت بأربع وعشرين ساعة فقط أن تكسر الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، وكسر الصورة الظالمة لذوي الاحتياجات الخاصة على التلفزيونات، وتمكّنت أيضاً من كسر التعليب المفروض على الإعلاميات.
فهي لم تستخدم حسنَ قوامها لتسمّرنا أمام الشاشة، ولم تعتمد على أزياء مغرية لتشدّنا إلى حديثها، ولم تُشعرنا للحظة واحدة أنّ هناك مقدّمة مختلفة أمام الكاميرا… بل استحوذت على انتباهنا بمضمون حوارها ونوعيّة أسئلتها، وتمكّنت من لفت نظرنا بمهنيّة تفتقدها كثيرات من عارضات البرامج.
هي مش قصة قشّة بعين غيرنا ولا عامود بعيننا، لكنّ هناك غشاءً غليظاً يمنعنا من رؤية المحرّمات التي تحوّلت بديهيات، ولا تكفينا أحياناً عينان سليمتان للنظر في المسائل التي يجب أن يتمّ تعديلها في بعض البرامج والنشرات، حتى تعود صفة الريادة إلى المشهد الإعلامي العام.
أعارت داليا فريفر بصيرتها لتلفزيون لبنان، فأعاد تأكيد دوره الريادي في المشهد الإعلامي، ومنحنا شرف الافتخار بشاشتنا الوطنية والتباهي بصورة إعلامياتنا… على أمل المزيد من الإنجازات والمبادرات التي تشرّع وجود تلفزيون لبنان كمضرب مثل وتمنع أن يكون مكسرَ عصا.