Site icon IMLebanon

دمشق ومعادلة فرنجية – الحريري

تشهَد دمشق حرب «عصابات سياسية» بين الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. وكلّ طرف منهما صمَّم استراتيجية دعائية ضدّ الآخر. ويَنشط لوبي عون داخل الدوائر السورية السياسية لتنشيط ذاكرتها حول «نظرية المؤامرة» بوصفها الإطار المناسب الذي يجب أن توضع فيه مبادرة الرئيس سعد الحريري لترشيح فرنجية.

تنفي المصادر القريبة من النظام السوري، كلّ ما شاع أخيراً عن أنّها أعطت رأياً سلبياً أو إيجابياً في قضية ترشيح فرنجية. لكنّها تؤكّد أنّ دمشق وإزاء كلّ قصة ترشيح فرنجية يشغل بالها أمران اثنان: الأوّل يُطرح على شكل سؤال عالي الحساسية ويتطلب إجابة شافية وموثقة عنه، ومفاده معرفة الأسباب الحقيقية التي قادت السعودية وجهات أخرى تتّسم بمعارضتها الشرسة للنظام السوري الى اقتراح مبادرة ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان على رغم كونه أوثق حليف للرئيس بشار الأسد الذي تقاتل هذه الجهات نفسها لإزاحته عن رئاسة الجمهورية في سوريا؟!

الإجابة التي تُقدّمها المصادر المتحمسة لنظرية «عون أو لا أحد»، تؤكّد أنّ هدف الترشيح هو ضرب وحدة محور «٨ آذار»، وأخذ فرنجية ليُغطّي معادلة لبنانية مقبلة فيها ثقل سعودي – روسي – أميركي مستجدّ، وهو محور يتبلور أكثر كلّما تعاظم التناغم الحاصل بين وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لإنشاء مسار مشترَك للحلّ في سوريا، وذلك في مقابل ثقل إيراني -حزب الله والنظام السوري الذي لا يزال يحرص على ثوابته في شأنّ حلٍّ مع الأسد ومن دون عملية انتقالية.

خلفيات ترشيح فرنجية

لكن يبدو، وفق أحدث المعلومات، أنّ دمشق أدارت ظهرها لهذا التحليل الآنف عن خلفيات ترشيح فرنجية، وبدأت تقترب من الإقتناع بنظرية تفيد بأنّ أسباب ترشيحه تفاعلت ضمن مناخين:

– أوّلهما يؤكّد وجود مسار دولي أميركي – روسي متفاهم على ضرورة بقاء الأسد في الحكم لمدة أطول من ١٨ شهراً، كما جاء في لقاءات «فيينا ١ و٢»، بل حتى لبقائه مدة ثلاث سنوات، موعد انتهاء الحرب على الإرهاب في سوريا، وأيضاً مع ميل اميركي لإبداء مقاربة مرنة لترشح الأسد في الانتخابات المقبلة، وذلك بعد تعديل للدستور يُفضي إلى إنشاء نظام فيدرالي على الطريقة الألمانية كما يريد الغرب أو على الطريقة الأميركية كما يقترح النظام. وهذا أمر يبقى الفصل فيه رهن المفاوضات الشاقة المنتظر أن تبدأ مطلع العام الجديد.

ويقع ترشيح فرنجية داخل كلّ هذا السياق الآنف، عند فرضية أنه يستطيع خلال فترة بقاء الأسد رئيساً أن يلعب دورَ قناة اتصال بين صديقه الرئيس السوري وبين العديد من الدول التي لا تريد أن تنفتح عليه مباشرة، أو التي تريد إيجاد قناة غير مباشرة معه لتقطيع الوقت مع وجوده كرئيس أمر واقع خلال المرحلة الإنتقالية السورية.

وتخلص هذه النظرية للقول إنّ هذه الدول ترى حاجة لأن يكون هناك وكيل للأسد في لبنان، وهو فرنجية مع ملاحظة أنّ الأخير لا يستطيع القيام بهذا الدور من دون شراكة في عهده مع الحريري كرئيس للحكومة.

وتلاحظ مصادر مطلعة على هذه الخلفية، أنّ فرنجية نجَح خلال إطلالته التلفزيونية أمس الأوّل في تسليط الضوء مواربة على هذا المعطى الذي يشكّل جوهر الحاجة الإقليمية لمواصفاته كرئيس للجمهورية في لبنان.

– المناخ الثاني الذي تفاعلت ضمنه مبادرة ترشيح فرنجية أساسها لبناني داخلي حيث تمّ الاستحصال على غطاء إقليمي وأوروبي لها. وأفادت هذه المبادرة من أنها تزامنت مع حراك فاتيكاني نجَح في تعريب حماسة دوليّة لضرورة ملء الشغور الرئاسي في لبنان ليكون رئيس بلد الأرز جاهزاً للجلوس على طاولة الحلّ الدَولي في سوريا.

وتزامنت هذه المبادرة أيضاً مع قناعة بدأت تصل الى الخليجيين بأنّ الأولويّة الدولية في سوريا هي للحرب على «داعش»، فيما رحيل الأسد مؤجّل أقله لثلاث سنوات.

وكون الأخير باق فإنّ وجود فرنجية – الحريري يمكن أن يلعب دوراً إيجاباً كقناة اتصال في الاتجاهين من دون الحاجة لعلاقات مباشرة مع الأسد، الأمر الذي يُحقّق غير هدف، بينها مدّ الإستقرار اللبناني المشرف على الإنهيار أمنياً واقتصادياً بمصل يفيده للصمود وزيادة مناعته ضدّ انعكاسات صراعات الأزمة السورية عليه.

أما السؤال الثاني الذي قارَبته أجواء قريبة من تفكير دمشق بخصوص البحث عن «القطبة الخفيّة» وراءَ مبادرة ترشيح فرنجية، فتمثّل ببروز ظنون بأنّه قد يكون هدفها المضمر «حرق» كلٍّ مِن فرنجية وعون على السواء كمرشحَيْن للرئاسة، وذلك لمصلحة إيصال شخص ثالث الى قصر بعبدا.

وتقول المصادر عينها إنّ هذا الهدف الأخير ليس بالتأكيد ما يريده الحريري الصادق بترشيحه لفرنجية، ولكنّه قد يكون هو مضمون «الخطة ب» للنائب وليد جنبلاط من وراء مشاركته في تعريب إنشاء سيناريو لترشيح فرنجية.

وتلفت المصادر عينها الى أنّ نظرية « قطبة المرشح الثالث المخفية» داخل مبادرة ترشيح فرنجية، وجدت عشية حلول موعد عقد الجلسة الماضية التي دعا اليها الرئيس نبيه برّي لإنتخاب رئيس للجمهورية، مستمسّكاً مادياً.

فقد شاعت لفترة قصيرة داخل الكواليس السياسية اللبنانية أنه يمكن انتهاز زخم الفرصة الدولية السائدة في هذه اللحظات لانتخاب رئيس، والذهاب الى جلسة الإنتخاب المقرَّرة حتى من دون حسم الخلاف المسيحي على إسم فرنجية.

وقال الإقتراح إنه يمكن في هذه الجلسة تكرار سيناريو انتخابات العام ١٩٧٠ الرئاسي الذي تمّ بموجبه انتخاب فرنجية الجدّ، وذلك عبر إجراء عملية ديموقراطية مفتوحة، أيْ عبر إفساح المجال لترشح الجميع والذهاب الى اقتراع سرّي يُنتج الرئيس المنتخب.

وكان هذا الإقتراع الذي تمّ تسريبه داخل محافل «٨ آذار» خصوصاً يَرمي إلى انتخاب الشخص الثالث، بوصفه مفاجاة أنتجتها تعقيدات الخلاف المستحكم بين الأقطاب الموارنة الأربعة الأقوياء. وشاع حينها أنّ «حزب الله» قمَع هذه المحاولة وأعاد مسار تأجيل جلسات انتخاب الرئيس الى سياق انتظار حصول تفاهم على اسمه يسبق عقد جلسة الحسم المنتظَرة.