في ٢٤ تموز الماضي زار وفد نيابي ديبلوماسي يوناني مشترك سوريا، وكان برئاسة رئيس الحزب الديموقراطي المسيحي نيقولا كوبولس نيقولاوس، وعضوية اربعة نواب من أحزاب يونانية مختلفة بينهم تيودور كاتزانيفس المعروف بعلاقته القديمة مع الرئيس حافظ الاسد، وهو صهر رئيس الحكومة اليونانية الأسبق اندرياس باباندريو الذي كان له ايضاً صداقة متينة مع الاسد، وتاريخ من الدعم المتبادل بينهما.
ووجود هذه الشخصية داخل الوفد أعطت الزيارة رمزية عن الرغبة في استمرار إرث علاقة قديمة بين بنى سياسية أساسية في اليونان وبين القيادة السورية منذ عهد الرئيس حافظ الاسد.
وبدا لافتاً انّ زيارة الوفد بدأت بلقاء له مع النازحين السوريين في مركز إيواء لهم يقع داخل دمشق، ويعكس ذلك مدى اهتمام اليونان بإيحاد حل لأزمة النازحين يتمّ بالتنسيق مع الحكومة السورية؛ كون الحلول الاخرى المطروحة تترك انعكاسات باهظة الكلفة الاقتصادية والامنية على اليونان التي تعاني اصلاً ازمة اقتصادية ومالية خانقة وهواجس تشظّي الارهاب المستوطِن في سوريا اليها، كونها تقع بجوار تركيا التي تعد احدى أبرز دول الجوار السوري التي تستقبل النازحين السوريين ومن ثم يتسرّب قسم معتبر منهم الى جزر اليونان بنحو غير شرعي كمحطة أولى نحو إتمام رحلة نزوحهم الى اوروبا.
تلا زيارة الوفد لمركز إيواء النازحين في دمشق، لقاء له مع مفتي سوريا الشيخ احمد بدر الدين حسون أبدى خلاله رغبته بضرورة إسماع الرأي العام الغربي والبيئات الاسلامية المقيمة في اوروبا صوتاً اسلامياً مغايراً للأفكار المطروحة لدى التنظيمات التكفيرية، وحتى تلك السائدة في أوساط حزب «العدالة والتنمية» في تركيا.
ومعروف انّ اليونان تعيش أزمة علاقات تاريخية مع تركيا، وهي تعاظمت الآن بفِعل ما تعتبره أثينا قيام أنقرة بسياسة غَضّ نظر عن تسرّب آلاف النازحين السوريين من اراضيها في اتجاه الجزر اليونانية.
وبحسب معلومات مُستقاة من مصادر الوفد فإنّ عدد النازحين السوريين الذين وصلوا حتى الآن الى اليونان، وأقاموا فيها، بلغ حسب الأرقام الرسمية 60 الفاً، ولكنه عملياً تجاوز الـ٢٠٠ الف، ما يشكّل تحدياً اقتصادياً وامنياً كبيراً على اليونان، خصوصاً في ظل عدم تعاون تركيا في شأن تنسيق عمليات وصول النازحين السوريين من اراضيها الى اليونان.
يتهم سياسيون يونانيون أنقرة بأنها تُمارس سياسة ضَخّ النازحين السوريين الى اوروبا كلما أردات ممارسة ضغوط سياسية على الاتحاد الاوروبي لتحسين شروط حوارها معه حول دخولها ناديه التجاري والعضوي؛ وفي المقابل تضخّ مجموعات مسلحة منهم الى سوريا كلما أردات تحسين شروطها السياسية والعسكرية في الميدان السوري.
وعليه، تفضّل اثينا ان تجد ازمة النازحين السوريين حلّها الاستراتيجي من خلال التنسيق مع الحكومة السورية وأعادتهم الى بلدهم ومدخل ذلك اعادة الاستقرار الى سوريا ودعمها في حربها ضد الارهاب . وأبدى الوفد خلال اللقاء رغبته بأن تستضيف اليونان حسون لإلقاء محاضرات في الجامعات اليونانية بغية إيصال الرؤية المتسامحة للإسلام كما هي مُعاشة تاريخياً في سوريا.
وفي إلاطار عينه يذكر انّ اليونان لديه تحفظ قديم – جديد على تحويل انقرة كنيسة أيا صوفيا في تركيا مسجداً ما أفقدها في نظر اليونان دورها الإيجابي بالترميز الى التعايش بين المسلمين والمسيحيين في المشرق، بينما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فوتِح غير مرة في هذا الموضوع كان يرفض دخول سجال في شأنه ويقول انّ أيا صوفيا في مقابل جامع الحمرا في الأندلس الذي تمّ تقسيمه بعد سقوط الأندلس الى جامع وقصر تراثي أثري. ولكنّ رأي اليونان انّ الكنيسة الارثوذكسية المشرقية غير مسؤولة عن فِعلة الإسبان كدولة ولا تشمل بذلك كل الكاثوليك.
وتضمنت جولة الوفد اليوناني في سوريا، زيارة لبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي. وتركّز الحديث حول الوجود المسيحي في المشرق ومن ضمنه في سوريا. ولاحظ النقاش انخفاض عدد المسيحيين في المشرق، وايضاً انخفاضهم في سوريا والعراق بفِعل إعتداءات الجماعات التفكيرية.
مع الأسد
وكانت ذروة الزيارة لقاء الوفد مع الرئيس بشار الاسد دام لأكثر من ساعة تقريباً، وتلاها لقاء آخر مع وزير الخارجية وليد المعلّم. وخلال اللقاء مع الاسد جرى استعراض لمسار العلاقات التاريخية بين اليونان وسوريا، وأكد أنه ماض في الحرب ضد الارهاب حتى استئصاله، وان هذا الاستئصال هو المدخل للحل السياسي.
وتخلص مصادر مطّلعة على الخلفيات التي تحرّك سياسة اليونان الراهنة تجاه المشرق العربي، ومن ضمنه سوريا، بأنها ترتكز على الاهداف الاساسية الآتية:
اولا – دعم الأسد في حربه ضد الارهاب، لأّن اليونان يعتبر نفسه الضحية الثانية بعد سوريا في حال استولى عليها الارهابيون.
ثانياً – من اهداف الزيارة اليونانية لدمشق هو رغبة اثينا أن يكون لها دور داخل محور روسيا – سوريا – ايران، نظراً الى موقع اليونان الجيوسياسي الذي يقع داخل الاتحاد الاوروبي، ويتمحور ويتقاطع في الوقت ذاته مع البعد الأرثوذكسي الذي تمثله روسيا، خصوصاً انّ لليونان شراكة سياسية وتجارية مع دول البلقان الارثوذكسية التي لموسكو نفوذ فيها.
كما انّ اليونان تسعى لحفظ موقع لها داخل مرحلة الصعود الاقتصادي الايراني المتوقع بعدما أزيلت العقوبات المالية الدولية على طهران.
وفي نظر اليونان فإنّ هناك مساحة حيوية للتفاعل التجاري المهم مع ايران، خصوصاً انّ اليونانيين يملكون خبرات تكنولوجية يمكن توظيفها في مسيرة ايران الضخمة لإعادة تأهيل بناها التحتية النفطية والصناعية وتطويرها.
ثالثاً – السؤال الذي طرحه مراقبون للزيارة هو عمّا اذا كانت ستؤدي لإعادة اطلاق العلاقات الديبلوماسية بين اثينا ودمشق، خصوصاً انّ سوريا اشترطت على كثير من الوفود الاجنبية التي زارتها طوال الفترة الاخيرة، أن يتطور التنسيق من جزئي وامني عبر قنوات خاصة الى كامل، وذلك عبر اعادة تكوين التمثيل الديبلوماسي.
جدير بالذكر انه يوجد في اليونان لوبي سياسي وازن مؤيّد لإعادة العلاقات مع سوريا، وهو يدعو الى بلورة موقف دعم داخل اوروبا متقدم لسوريا ضد الارهاب، وأبرز رموزه الحزب الديموقراطي المسيحي برئاسة نيقولاس ورئيس مجلس النواب اليوناني فوتسيس وحزب الخضر، وحزب بابندريو القديم المعروف بحزب الباسوك، إضافة الى الكنيسة الارثوذكسية اليونانية .