بَدا خلال اسبوع الآلام انّ درب الجلجلة مستمر في لبنان بعد التصعيد العسكري والسياسي مؤخراً، والذي تبدّى في جنوح الكيان الاسرائيلي نحو مزيد من محاولات جرّ المنطقة الى حرب واسعة عبر استهدافه أكثر من مرة مناطق سورية من دمشق الى حلب، وتَوّجَها امس الاول بقصف مبنى القنصلية الايرانية في دمشق، ما أدى الى سقوط مسؤولين كبار في «فيلق القدس» بالحرس الثوري الايراني، عدا تصعيده في جنوب لبنان وارتكاب مجزرتين في يوم واحد.
لم يكن قصف القنصلية الايرانية في العاصمة السورية وتدميره بالكامل مجرّد رسالة عسكرية الى ايران من ضمن المواجهات القائمة منذ اشهر، والتي كانت مضبوطة الى حدٍّ ما قبل ان تفشل مراراً مفاوضات تحقيق الهدنة في قطاع غزة، فسَعت حكومة نتنياهو الحربية إلى تصعيد الموقف العسكري والسياسي مستهدفة ايران بشكل مباشر، لعلّ طهران ترد على الضربة بضربة مماثلة، فتجرّ بذلك قدم اميركا الى المواجهة التي طالما تمنّاها وسعى اليها نتنياهو.
ومع انّ المتحدث العسكري الاسرائيلي اشار بوضوح الى ان غارة دمشق على القنصلية هي «ردّ على استهداف قاعدة عسكرية بحرية اسرائيلية في مدينة ايلات بطائرات مُسيّرة من العراق» يوم الاحد، محمّلاً ايران مسؤولية الهجوم، إلّا ان قصف القنصلية لم يكن محسوباً بل كان متوقعاً ضربات عسكرية لمواقع وتجمعات ايرانية في سوريا كالعادة، ما فاجأ دول العالم كلها بإستثناء الادارة الاميركية التي أخطرتها اسرائيل بالغارة قبل دقائق من تنفيذها، بحسب الاعلام الأميركي. لكن ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن نفضت يدها وقلّلت من حجم المشكلة معتبرة انها «قيد البحث، ولن تؤثر على مفاوضات هدنة غزة لإطلاق الرهائن»!
هذه الضربة الموجعة لإيران تدفع الى التساؤل عن كيفية الرد ونوعيته وحجمه ومكانه وزمانه، وهل يكون من سوريا او من العراق او من لبنان؟ وفي حال كان من لبنان ما هي طبيعته وكم ستكون كلفته في حال كان رداً قوياً؟ علماً ان «حزب الله» نعى شهداء الغارة وأشاد كثيراً بالمسؤول في «فيلق القدس» الشهيد محمد رضا زاهدي نظراً لدوره سابقاً وحالياً في الدعم المباشر لكل فصائل المقاومة في المنطقة.
وفي الشأن اللبناني الداخلي، مرّ اسبوع الآلام على مزيد من التشنج السياسي، بعدما انفَضّ لقاء بكركي المسيحي على نتيجة سلبية حول إمكانية التوافق على تفاهمٍ ما بشأن الاستحقاق الرئاسي، وبعد المواقف عالية السقف للبطريرك بشارة الراعي في رسالة وقداس الفصح ضد الرئيس نبيه بري شخصياً ومجلس النواب عموماً، بتحميلهما مسؤولية عدم انتخاب الرئيس، وهو ما قالت مصادر عين التينة لـ«الجمهورية» انه لن يصدر عنها اي ردّ عليه، لا سيما بعد الرد غير المباشر للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان. وبخاصة انّ الرئيس بري دعا مراراً للحوار والتوافق ولم يلقَ تجاوباً من معظم القوى المسيحية.
على هذا، سيبقى لبنان سائراً على درب الجلجلة ولا قيامة لحل الازمات المتوالدة فيه، سواء لجهة التصعيد الاقليمي الخطير، أو على المستوى الوطني العام، او على مستوى القيادات المسيحية، التي تتحمّل – برأي جهات سياسية مسيحية وغير مسيحية – جزءاً اساسياً من الاستعصاء الداخلي نتيجة صراعاتها التي تؤثر على المسار العام للإتصالات السياسية لمعالجة الشغور الرئاسي ومعالجة الازمات الاخرى. فلا تيار «المردة» شارك في لقاء بكركي لأسباب قال انها «تتعلق بالشكل والمضمون»، ولا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع توقّع قبل اللقاء إيجابيات منه. فانتهت مبادرة بكركي قبل او تولد عنها الوثيقة الوطنية المُعوّل عليها.
يبقى انتظار ردة فعل ايران على ضربة دمشق الموجعة وما ستقوم به مع حلفائها في المنطقة، وما اذا كان سيحصل تحرّك دولي لاستيعاب الموقف قبل ان يتفجّر اكثر، وينعكس على سائر دول المنطقة وبخاصة لبنان، الذي بالكاد يحتمل نتائج وانعكاسات أزماته الداخلية السياسية والاقتصادية والمعيشية.