لا تنفرد وسائل التواصل الاجتماعي بالكشف عن واقع بؤس حياة السوريين في ظل نظام الأسد، بل إن وسائل الإعلام تشارك في تأكيد هذه الحقيقة بما تنقله من أخبار وتقارير وتحقيقات، تتشارك في بثها وسائل إعلام مرئية ومكتوبة ومسموعة، وبينها وسائل غير مصنّفة في خانة العداء لنظام الأسد.
وتقول أكثر المعطيات شيوعاً عن واقع الحال السوري، إن الفقر الشديد أصاب نحو 90% من إجمالي السوريين. وتوسُّع نطاق الفقر يعود إلى أسباب متعددة من بينها البطالة الواسعة نتيجة تعطل كلي أو جزئي في معظم الأنشطة الاقتصادية بما فيها قطاع الخدمات، وفي انخفاض قيمة الليرة، التي صارت بالمقارنة مع قيمة الدولار، تساوي أقل من 10% من قيمتها عام 2011، إضافة إلى استمرار تردي الأوضاع الأمنية رغم الانخفاض النسبي للمواجهات بين نظام الأسد وحلفائه مع قوى المعارضة المسلحة، وسط استمرار الأجهزة الأمنية والميليشيات المؤيدة للنظام في ممارسة إرهابها وتنمرها خصوصاً على الفئات المهمشة والمهجرين منهم، إذ تفرض الخاوات، وتحصل على الرشى، وتستولي على الممتلكات، ولم يخفف من ذلك ما تم الإعلان عنه من إجراءات أعلنها النظام، وشاركت في بعضها القوات الروسية لتحجيم الميليشيات بهدف تحسين صورة النظام في ضوء ما قيل عن «انتصارات» تم تحقيقها، ويكتمل سلوك إذلال الناس في مناطق سيطرة النظام في ممارسات شبكة الفساد التي باتت معششة في الجهاز الإداري للحكومة، حيث المحسوبيات والرشى وسرقة المال العام وتجاوز القانون بصورة علنية.
ولا تمثل المعطيات السابقة إلا بعض الصورة التي تحيط بالسوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد بما فيها العاصمة. ففي قسم آخر من الصورة، ارتفاع هائل في الأسعار بما فيها أسعار المواد الغذائية، حيث تضاعف سعر أغلبها في الأشهر الأخيرة، شاملاً المواد المنتجة محلياً من حبوب وخضار وفواكه، إضافة إلى معاناة واسعة من نقص حاد في الوقود من غاز ومازوت وكهرباء، تسبب بمعاناة كبيرة للسكان خلال أشهر الشتاء، وعطل بعض المصانع والورش، التي بدأت تستعيد نشاطها ببطء، فتوقف أغلبها ومنها ما هو قائم في محيط دمشق، وعاد العاملون فيها إلى طوابير العاطلين عن العمل، وزادت المعاناة مع اندلاع أزمة وقود سيارات البنزين، التي جعلت الناس ينامون في محطات الوقود للحصول على قليل منه، على نحو ما اعتادوا فعله في الأشهر الأخيرة للحصول على أسطوانة غاز أو بعض المازوت للاستخدام المنزلي.
وثمة جوانب أخرى في معاناة السوريين، كانت نتيجة حرب النظام وحلفائه لإعادة هيكلة الجغرافيا السكانية على نحو ما هو ظاهر في إدلب ودمشق.
وقد تسببت حرب النظام على ريف دمشق، والتي كان آخرها في العام الماضي شاملاً جنوب دمشق وغوطتها الشرقية، بتهجير مئات آلاف من سكان تلك المناطق إلى قلب العاصمة، مما شكّل ضغطاً إضافياً على قدراتها المحدودة في السكن والخدمات، وأدى في عداد تداعياته إلى تفاقم الظواهر الاجتماعية المَرضية من تسول وتشرد ومخدرات ودعارة خاصة مع بروز ظاهرة أُسر الحدائق وأطفال الشوارع. وسط عمومية إعادة هيكلة الجغرافيا السكانية في دمشق، شهدت المدينة فصولاً جديدة في التشييع الإيراني بالانتقال من تشييع الأشخاص إلى تشييع المدينة. فبعد تدخلات إيران وميليشياتها وضغوطهم على الأقلية الشيعية من أهالي المدينة، ودفعها لاتخاذ موقف مؤيد لنظام الأسد، وبعد الاستيلاء على بعض معالم المدينة وريفها من مساجد وأبنية، وتحويلها معالم إيرانية، كما حالات مقامَي السيدة زينب والسيدة رقية ومدافن آل البيت، فإن إيران وميليشياتها وسّعت نشاطها في تشييع المدينة بالاستيلاء على مزيد من المعالم سواء عبر ميليشياتها أو بدعم من النظام، إضافةً إلى عمليات شراء بيوت ومتاجر وأراضٍ في أحياء مختلفة من المدينة وقراها بأسعار تفوق قيمتها في الوقت الحالي، وزادت على ما سبق تعميم احتفالات التشييع الإيراني لاستبدال هوية المدينة وإعطائها هوية جديدة.
وسط التردّيات والمعاناة الآخذتين بالتمدد، تسير المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خصوصاً دمشق إلى مزيد من التدهور في أوضاعها وحياة سكانها، وقد تحولت إلى جحيم، ما عدا حياة أقلية صغيرة منهم نسبتها تتراوح ما بين 3 و5% حسب أغلب المعلومات شيوعاً، تشمل فئة النظام من كبار المسؤولين فيه وأمراء الحرب من زعماء الميليشيات، والتجار الذين اغتنوا مع اشتعال الحرب في سوريا وحولها ومع استمرارها، وقد حوّل هؤلاء بقعاً من المدينة لا سيما في غربها إلى كانتونات غير معلنة بالقرب من البؤر الأمنية، تضم مناطق سكنية فاخرة ومحروسة، ومولات كبرى وحديثة، ومطاعم وملاهي وفنادق، صارت ميداناً لعيشهم، ومساحات للهوهم وفجورهم، يكملون فيها نمط حياتهم اليومي الذي ما زال قائماً على إخضاع بقية السوريين واستغلالهم ونهبهم على نحو ما هي عليه حالة الأغلبية الكبرى من سكان مدينتهم دمشق.