يكثر في الآونة الأخيرة الطامحون إلى نيل رضى رئيس النظام السوري بشار الأسد، علناً أو سرّاً، وسواء لأسباب تتعلق بالطموحات الرئاسية عسى وعلّ تمر الطريق إلى قصر بعبدا بقصر المهاجرين من جديد، وسواء طمعاً بعقود مالية في مشاريع إعادة الإعمار الموعودة لمن يلهث خلفها كالسراب في صحراء الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، وتراجع كل الآمال المعقودة على “سيدر” ومليارات استثماراته المشروطة بإصلاحات يبدو أنها من المستحيل أن تتحقق في ظل جشع الطبقة السياسية الحاكمة.
لكن شتّان ما بين الطموحات – الأحلام وبين الواقع والقراءة الدقيقة لتطورات الأوضاع الإقليمية والداخلية. فمن يظنّ أن بشار الأسد انتصر، بمعنى أنه يستطيع أن يقرّر مستقبل سوريا وإعادة إعمارها، واهم حتماً، تماماً كما هو واهم من يظنّ للحظة أنه يمكن للأسد أن يكون له من جديد أي دور في لبنان وقراره وتسمية رئيسه!
تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية عن “العملية السياسية داخل سوريا”، ما يؤشر من القيصر الروسي الوصي على “بلاد الشام” إلى أن الصورة النهائية للنظام السوري المقبل لم تتضح بعد، ما يضع عقبات أمام استمرار نفوذ الأسد في قلب دمشق قبل أن يحلم باستعادة أي نفوذ في لبنان. وفي هذا الإطار يصبح مفهوماً ألا يملك الأسد مفتاح أي دور، إن كان على صعيد ملف عودة النازحين التي باتت قضية دولية، أم على مستوى منح تراخيص المشاركة في إعادة الإعمار، أم في مجرّد إبداء الرأي بكل ما يجري خارج أسوار الشام، فحتى إرسال قوات سورية إلى المناطق الكردية اتخذه الروسي لا السوري!
أما بالنسبة إلى إيران و”حزب الله” فإنه من غير الوارد نهائياً إعادة أي دور أو نفوذ سوري إلى لبنان، طالما أن الأمر بات ممسوكاً من “المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية” الذي بدوره يمسك بأوراق في سوريا وليس العكس!
أما بالنسبة إلى خصوم الأسد في لبنان، وإن خسروا كثيراً في الأعوام الماضية في مقابل تعاظم نفوذ “حزب الله”، إلا أن مجرّد الإيحاء بعودة أي دور أو تأثير لرئيس النظام البعثي يمكن أن يعيد نبضاً مفقوداً إلى عناصر ثورة يراهن “حزب الله” أنه نجح في إخمادها بالنقاط، ولن يسمح بالتالي بعودتها. فإحدى الثوابت الأساسية التي تجمع الجمهور السيادي في لبنان تكمن في رفض أي شكل من أشكال عودة نظام الاحتلال والوصاية الأسدي.
يستطيع البعض أن يزور دمشق حكماً، لكن أحداً لن يستطيع أن يسمح لحاكم دمشق بأن يعود إلى لبنان مجدداً… ولو لمجرد زيارة أو إبداء رأي في أي استحقاق لبناني!