يلاحظ زوّارُ دمشق هذه الأيام في وضوحٍ حجمَ الاطمئنان البادي على وجوه المسؤولين السوريين، والذي لا تكشفه صورةُ الرئيس بشار الأسد، وكلامُه في مقابلاته التلفزيونية فحسب، بل أيضاً التقدّم العسكري الواضح على المستوى الميداني.
فحجمُ الانهيارات والخسائر في صفوف المسلحين بات كبيراً والغارات الجوية الروسية لا تستهدف فقط مراكزَ القيادة والتخزين والتجمّعات المسلحة فقط، بل إنها تركز على مفاصل ذات أهمية في ما يُسمى «خريطة تقسيم سوريا»، فمِن قصف مركَز في السَلَميّة لثلاث مزارع للدواجن حوّلها المسلحون مراكز تجمّع لهم، الى إستهداف نقاط قرب جسر الشغور مروراً بمناطق في ريف حمص الشمالي وفي منطقة سهل الغاب، بما يحاول أن يزيلَ ما كان ممكناً أن يكون الفاصل بين شمال سوريا ووسطها وجنوبها وساحلها، أيْ حدود المنطقة التي كان المسلحون يطمحون الى إقامة إمارتهم فيها.
ويتوقع المسؤولون السوريون أن تحمل الأيام المقبلة «مفاجآتٍ سارة» من دون أن يفصحوا عن طبيعة هذه المفاجآت. ويُروى على لسان إحدى الموظفات الكبيرات في المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والعاملة في سوريا، أنها زارت مدينة حلب ودخلت الى بعض أحيائها التي يسيطر عليها المسلحون المتطرفون ففوجئت بأنّ بعض معامل الأدوية الواقعة تحت سيطرة هؤلاء المسلحين يُجبرها المسلحون على أن تحصلَ على موافقة وزارة الصحة السورية على كلِّ دواءٍ تُنتِجه وهي في المقابل تبيع هذه الأدوية لهذه الوزارة، ما يدلّ على أنّ الدولة السورية التي ما زالت تدفع رواتبَ جميع الموظفين أينما كانوا، ما زال لها حضورها، ولو غير المباشر، في كلّ المناطق السورية.
ويحرص المسؤولون السوريون على أنّ جيشهم وحلفاءه قد حققوا إنجازات ميدانية مهمة حتى قبل الغارات الروسية، فقد صدّوا نحو 26 هجوماً على درعا في ما سمي «عاصفة الجنوب» التي تكبد فيها المسلحون أعداداً كبيرة جداً من القتلى في صفوفهم، وقد تمت السيطرةُ على محافظة الحسكة بكاملها بجهد بذله الأهالي بالدرجة الأولى على رغم إمكاناتهم المتواضعة.
والأمر نفسه في دير الزور حيث تفشل هجماتُ المسلحين على مطارِها الهجمة تلوَ الأخرى، فيما تمّ ردع الجماعات المسلحة التي حاولت إختراقَ الأحياء القريبة من العاصمة دمشق.
ويقول المسؤولون السوريون إنّ غضبَ بعض الدول الكبرى والإقليمية من التدخل العسكري الروسي في سوريا مرده الى أنّ فعالية الغارات الجوية الروسية على مواقع المسلحين المتشدِّدين ونتائجها السريعة قد كشفت مسرحية ضرباتِ التحالف الأميركي الذي كانت استراتيجيته قضم أظافر «داعش» ولكن مع بقائها قوة استنزاف للدولة والجيش والمجتمع السوري.
ولا يخفي المسؤولون السوريون ارتياحَهم الى الموقف المصري الذي يعتبرونه تأكيداً لعلاقات نشأت بين البلدين وأجهزتهما الأمنية والعسكرية منذ سنوات، وذلك ترجمة لحرص مصر وسوريا على الأمن القومي العربي المهدَّد في معظم أقطار الأُمة، ولكنه مهدَّدٌ خصوصاً في سوريا ومصر وهو ما يدفع البلدين الى سياسة مختلفة عن سياسات الدول الأخرى.