انتزعت المبادرة الروسية المتعلّقة بعودة اللاجئين السوريين أحد أكبر العناوين المؤججة للصراع السياسي في لبنان. الموضوع الذي كان مرشّحاً للاستخدام كبوابة لتثبيت واقعة الضرورة لعودة العلاقات اللبنانية مع النظام السوري، والذي تمّ التحضير له عبر البناء على فوبيا التوطين لدى اللبنانيين، وأحاديّة الحل وفقاً للشروط السورية، ذهبت به موسكو الى الحاضنة الدوليّة. المبادرة الروسية التي أتت على وقع ضربات إسرائيلية شبه يومية للقواعد الإيرانية وأماكن تمركز حزب الله في الداخل السوري، وآخرها استهداف معامل الدفاع الإيرانية في بلدة مصياف في ريف مدينة حماه، وتهديدات غير مسبوقة من الرئيس ترامب للنظام في طهران، أكدت على الخيارات التي أضحت مفروضة على دمشق.
الاستجابة السورية البطيئة لمبادرة رئيس الجمهورية المنفصلة عن القرار الحكومي المركزي، والتي تولاها الأمن العام اللبناني، لم تفضِ الى نتائج ملموسة بل اقتصرت العودة على بضع مئات من السوريين. ما توخاه النظام من ذلك هو، أولاً توجيه رسالة الى اللبنانيين بأنّ الطريق الأقصر للعودة هو الرضوخ لشروطه، وثانياً تسليم حلفائه في لبنان ورقة ضاغطة على الحكم تضاف الى العثرات التي توضع في طريق التأليف لإحراج رئيس الحكومة وإنهاكه. مبادرة حزب الله التي أتت في أعقاب تصريحات أمينه العام الذي أعلن عن فتح مكاتب وجولات ميدانية للمساهمة في عودة السوريين، لم تكن سوى محاولة إضافية لمصادرة جزء من صلاحيات الدولة اللبنانية وتشتيت القرار الحكومي. وما يؤكّد الامتعاض من المبادرة الروسية لا ينحصر في عدم توجيه وزير الخارجية جبران باسيل أي إشارة إيجابية نحوها، بل إنّ مصادر في وزارة الخارجية أعلنت أنّ الوزير سيناقش مسألة اللاجئين مع المسؤولين الأميركيين، وسمحت لنفسها بتوصيف الإجراءات الميدانية للمبادرة الروسية التي لم تعلن بعد، وأبرزت حصريّة مزعومة للنظام السوري في قبولها أو رفضها. كلّ ذلك على الرغم ممّا ذكرته وكالة «سبوتنيك بأنّ روسيا أنشأت مركزاً لاستقبال وإعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم، مشيرة الى أنّ لبنان يُعدّ من بين أكثر الدول في الشرق الأوسط تضرراً من أزمة تدفق السوريين الى أراضيه».
قمّة هلسنكي افتتحت بجديّة المسار السياسي للتسويّة في سوريا، عبر فرض ثابتتين الأولى أمن إسرائيل والعودة الى تطبيق القرار 338 وإقصاء إيران عن الحدود، والثانية انتزاع الملفات الإنسانية ومنها ملف اللجوء السوري وتكريسه جزءاً من التسوية السياسية. يبدو أنّه لم يعدّ أمام النظام بعد القمّة سوى محاولة تلمسّ دور ما خارج الحدود للخروج من المأزق، حيث يُبدي مع فريق سياسي لبناني يتمثّل بحزب الله وبالتيار الوطني الحر توافقاً في استخدام الملفات السورية وتحويلها الى مآزق سياسية لبنانية وفي تسريب الإملاءات السورية. فإلى جانب المرسوم رقم 10 الذي أثار مخاوف اللبنانيين والمجتمع الدولي حول جديّة النظام في تأمين العودة الآمنة، والذي تولّى وزير الخارجة السوري وليد المعلم شرحه للوزير باسيل وتبديد مخاوفه دون سائر اللبنانيين، أعلن الرئيس بشار الأسد في تصريحات عديدة له لائحة شروطه للاستفادة من إعادة إعمار سوريا وتسهيل حركة الترانزيت عبر الأراضي السورية الى الداخل العربي، وآخرها دعوة السوريين الى سحب ودائعهم من المصارف اللبنانية بما يؤكّد رغبة النظام في إعادة إدخال لبنان في عنق الزجاجة السورية.
إنّ الدور الإيراني في سوريا محكوم بالانحسار، هذا ما تثبته مجريّات الميدان يوماً بعد يوم. الضربات الجوية التي يتعرّض لها وعدم قدرة النظام في سوريا على حمايته والدفاع عنه والموقف الأميركي الصارم منه، سيقفل الأفق أمام طهران وسينعكس حكماً على حرية حركتها في لبنان وسيُلزم حزب الله بالعودة للاحتماء بالمظلّة الدمشقيّة لتمرير المرحلة الحرجة.
دمشق التي أوكلت دورها في لبنان لطهران بعد خروجها في العام 2005 لا تبغي إقامة علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا بل تتحيّن الفرصة لاستعادة لبنان من طهران.