Site icon IMLebanon

تذكَّر “الخشبة” أيضاً

 

ما دام موسم الحج الى دمشق قد بدأ “من كل فج عميق”، واستشعر مريدوها كم نعيش “حال فقدان” بدون رعايتها الكريمة لشؤون “الأخ الأصغر”، فليضرب فخامة الرئيس الحديد وهو حام، علَّه يحقق في خريف عهده ما لم يستطعه في بداياته، فيتمكن من استشراف ما بعد ولايته، أو يحل ملفات لا مجال لتطبيع العلاقات من دون وضعها على سكة الحل المستدام، فيكون سعيه مشكوراً.

 

يجب الاعتراف بأن المراهنين على تعميق الأزمة عبر “تشحيد” اللبنانيين تنكة بنزين او مازوت نجحوا حتى الآن في “استجرار” النفوذ السوري وتلميع صورة نظام لا تعوزه التصريحات المنمقة للتعبير عن استعداده للمساعدة، غير انهم انجزوا ما يحقق أهدافهم الشخصية والحزبية غير آبهين بما يهم كل لبنان.

 

إذا تحققت الزيارة الرئاسية مثلما يرشح من كواليس العارفين بالنوايا والأسرار، فإن الرئيس عون لن يقبل حتماً بما ارتضته الوزيرة زينة عكر. فوريث فاروق الشرع في الخارجية السورية لم يضع العلم اللبناني في جلسة المحادثات معها ربما لاعتباره “وزيرة الوزراء” من “أهل البيت” الممانع، لكن قصر المهاجرين سيحافظ على اللياقات حين يقصده فخامته مهنئاً اياه بـ”الانتصار” الأخير في درعا وضربه مهد ما تبقى من ثورة الشعب السوري.

 

يمكن لأصدقاء النظام السوري وأتباعه الانتشاء بقدرة “زركة” الكهرباء على تحقيق ما لم يستطيعوا انجازه طوال عقد من الزمن للتطبيع مع النظام. الظروف الاقليمية والدولية لعبت لمصلحتهم، وسعيهم الحثيث الى إفقاد لبنان مقومات المناعة جعل زيارات دمشق التطبيعية جزءاً من مشهد عام سلَّم فيه العرب والغرب بضرورة العودة الى التعاطي مع نظام الأسد، بعدما نجح في كسر الحرم وتعايشَ مع العقوبات.

 

إن زار الرئيس عون دمشق في وقت ليس ببعيد، فسيكون هاجس توريث جبران هو الأساس، وقد يضع الرئيسَ الأسد مثل السيد نصرالله في حيرة الخيار بين زعيم التيار المعاقَب الجاهز للتبعية بلا شروط، وبين الحليف الشمالي الثابت في وفائه وولائه مهما تغيرت الأحوال.

 

قد لا تسعف الذاكرة التسعينية الرئيس للتطرق الى راهن الأحداث كالتهريب وكلفة مرور الغاز التي بدأت دمشق “تقريشها” بتحميل البنك الدولي كلفة صيانة ما خربته الحرب. وقد يعتبر قضية النازحين مسألة تخص المجتمع الدولي متماهياََ مع موقف نظيره المتخفف من عبء وجودهم على كل صعيد. لكن خزان الذاكرة العتيق يبقى حياً بالتأكيد، وسيتذكر الرئيس نغمة سمعها منذ استقلال 1943 عن “انزال الخشبة” في “جديدة يابوس” وإقفال الطريق كلما استاءت دمشق وأرادت تنفيذ مطلب يناسب رغباتها في لبنان. ولأن الذاكرة القديمة هي آخر ما يذبل، فقد يتذكر فخامته وجوب ترسيم الحدود البرية والبحرية وحسم ملكية مزارع شبعا، ولن يغيب عنه بالتأكيد مصير مئات المفقودين والمعتقلين.

 

إنه الموسم، ولا شك بأن إتمام الزيارة سينعش ذاكرة الجميع.