عاد لبنان الى دوره في إطار سياسات المحاور ومشاركته في المؤتمرات العربية، وذلك بدءاً من زيارة الوفد الوزاري الى دمشق، وصولاً إلى اللقاء الرباعي في عمان، وهذا دليل، وفق معلومات مؤكدة، أن الدول الكبرى بدأت تخفّف من وطأة عقوباتها ومقاطعتها للبنان ولدول المنطقة، ولا سيما سوريا، بفعل أجواء ينقلها أكثر من مصدر معني، عن عودة التواصل العربي مع سوريا، ولعلّ مشاركتها الى جانب لبنان في لقاء عمان، إلا مؤشّر على هذا المنحى، ولهذه الغاية، ثمة ترقّب حول كيفية استفادة لبنان من هذه المناخات لخروجه من أزماته، وتحديداً الإقتصادية والمالية.
وبالتالي، ومن خلال ما تمّ تسريبه عن أجواء المنطقة، تقول مصادر مطلعة بأن هذا الضوء الأخضر لإعادة التواصل العربي مع سوريا، ومن ضمنها زيارة الوفد الوزاري الى العاصمة السورية، بدأ منذ زيارة الملك الأردني عبدالله الثاني، الى الولايات المتحدة الأميركية، ولقائه بالرئيس الأميركي جو بايدن، وتشير المعلومات حينها، الى أن العاهل الأردني عرض يومها مخاوف بلاده من أي حرب قد تندلع على الحدود الأردنية ـ السورية، وتحديداً من درعا التي لا زالت بمعظمها تحت سيطرة المعارضة السورية، وبالتالي، أن المخاوف تكمن في تمدّد الإرهابيين و»الدواعش» باتجاه الأراضي الأردنية، في خضم الضائقة الإقتصادية التي تعانيها الأردن كما معظم دول المنطقة، إضافة الى جائحة كورونا.
من هنا، يُستَدلّ، وبحسب المصادر، بأن الأميركيين تفهّموا هواجس الملك عبدالله، ولم يُمانعوا في حصول تواصل وتنسيق بين عمان ودمشق حيال هذا الوضع، ومن ثم امتداده الى دول المنطقة، وتحديداً الخط الرباعي من الأردن الى فلسطين وسوريا ولبنان، وعلى هذه الخلفية، انطلقت الإتصالات والمشاورات، ثم لقاءات بعيدة عن الأضواء بين هذه الدول للتنسيق الأمني الإستراتيجي والإقتصادي، وتحديداً على مستوى خط النفط والغاز من الأردن ولبنان ومروراً بسوريا، دون استبعاد أن تنعكس هذه المناخات إيجاباً على مستوى العلاقات بين هذه الدول، لا سيما أن لبنان يعوّل، إضافة الى إعادة تشغيل أنابيب النفط، على عودة حركة «الترانزيت» المتوقّفة، مما يحرّك عملية الإستيراد والتصدير، وإحياء القطاعين الصناعي والزراعي.
في موازاة ذلك، لا ترى المصادر نفسها، أن ما جرى من تواصل لبناني ـ سوري ـ أردني، قد يعني حصول تحالفات ثلاثية أو رباعية، وأن هذا الإنفتاح سينعكس على المسارات السياسية والإقتصادية، ومن ثم على مسألة تأليف الحكومة، باعتبار أن هناك فصل تام لمضمون اللقاءات اللبنانية ـ السورية، بمعنى أن التواصل الأخير يندرج حول أمور إقتصادية استراتيجية، يُعنى بملف أنابيب النفط والغاز، في حين أن الملفات الداخلية الأخرى، من تأليف الحكومة الى الإستحقاقات الدستورية الداهمة، مرتبط بأجواء خارجية مغايرة تماماً، وقد تحتاج الى تسوية شاملة عبر توافق دولي ـ إقليمي على حل النزاع الدائر في لبنان، وحالة الإنقسام السائدة بين مكوّناته، إذ أن الأهم يتمحور حول الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي، ومن هذا المنطلق، فإن الجميع من المرجعيات والزعامات السياسية تيقّنوا الدوافع التي أملَت زيارة الوفد الوزاري الى العاصمة السورية وقمة عمان، حتى من المتشدّدين والرافضين لهذه العلاقات بين بيروت ودمشق.
من هذا المنطلق، فإن قمة عمان قد توضح مسار علاقات هذه الدول، وفي وقت لاحق، في حال اتخذت مواقف سياسية أو رسائل معينة من قبل المشاركين، ليبنى على الشيء مقتضاه حول مستقبل لبنان في المرحلة القادمة بين أقرانه في المنطقة.